لا ينافي ما ذكرناه تقدم الراوي الشيعي الثقة على الراوي العامي الثقة عند التعارض كما روى الشيخ في العدة ذلك عن الامام الصادق عليهالسلام : انه اذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا الى ما رووه عن علي عليهالسلام فاعملوا به (١) ، بل يكون ظاهر قوله بعد الرواية المذكورة : ولاجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث الخ أن الرواية المذكورة معمولا بها عند الاصحاب.
ويشهد أيضا على أن المعيار هو الوثوق بالراوي قوله عليهالسلام : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا.
وتجويز الامام عليهالسلام العمل بقول الثقة وأن كان المخبر ممن يضيع الخبر ولا يعمل به كما مرّ.
والتعليل الوارد في صحيحة احمد بن اسحاق بعد قوله العمري ثقتي فانه الثقة المأمون.
فانه يفيد الكبرى الكلي ، وهي أن كل ثقة مأمون يسمع له ، وهو معنى حجية خبر الثقة ، وتطبيق هذا الكلي على مثل العمري الذي كان في مرتبة عالية من الوثاقة لا ينافي كون المعيار هو افادة الوثوق بالمخبر ، ولا دخالة لما زاد عليه من المراتب العالية ، ولا وجه لحمل الكبرى الكلي على أن المراد منه هو خصوص المورد ، كما لا يحمل ذلك في امثاله ونظائره.
ولقد افاد واجاد في نهاية الافكار حيث قال : ولا يخفى أن التواتر المدعى في تلك الاخبار وأن لم يكن لفظيا إلّا أنّه يكون معنويا ؛ لوضوح كون الجميع بصدد بيان معنى واحد ، وهو حجية قول الثقة ووجوب العمل على طبقه ، بل وظاهر بعضها هو كون وجوب العمل بخبر الثقة أمرا مركوزا عندهم بحيث كان من المسلمات عند أصحاب الأئمة عليهمالسلام ، ولذلك وقع السؤال فيها عن الموضوع ، وهو كون الراوي ثقة أو غير ثقة كما في خبر عبد العزيز المتقدم ، وربما يشهد لذلك أيضا تعليله عليهالسلام في خبر أحمد بن اسحاق بعد ما أرجع الى العمري وابنه بقوله : انهما الثقتان المأمونان. وحينئذ فلا ينبغي الارتياب في حجية خبر الثقة ووجوب الأخذ به.
ثم أن الثقة في تلك الأخبار وأن كانت ظاهرة في العدالة بل اعلى درجتها ، ولكن يمكن
__________________
(١) عدة الاصول : ص ٣٧٩.