والوريدان عرقان بصفحتي العنق (إِذْ) ناصبه اذكر مقدرا (يَتَلَقَّى) يأخذ ويثبت (الْمُتَلَقِّيانِ) الملكان الموكلان بالإنسان ما يعمله (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) منه (قَعِيدٌ) (١٧) أي قاعدان ، وهو مبتدأ خبره ما قبله (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) حافظ (عَتِيدٌ) (١٨) حاضر ، وكل منهما بمعنى المثنى (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) غمرته وشدته (بِالْحَقِ) من أمر الآخرة حتى يراه المنكر لها عيانا ، وهو نفس الشدة (ذلِكَ) أي الموت (ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (١٩) تهرب وتفزع (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) للبعث (ذلِكَ) أي يوم النفخ (يَوْمُ الْوَعِيدِ) (٢٠) للكفار بالعذاب (وَجاءَتْ) فيه (كُلُّ نَفْسٍ) إلى المحشر (مَعَها سائِقٌ) ملك يسوقها إليه (وَشَهِيدٌ) (٢١) يشهد عليها بعملها ،
____________________________________
قوله : (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) هذا مثل في شدة القرب ، والحبل العرق. قوله : (والوريدان عرقان بصفحتي العنق) أي مكتنفان صفحتي العنق في مقدمهما يتصلان بالوتين وهو عرق متصل بالقلب ، وبالأبهر وهو عرق في الظهر ، وبالأكحل وهو عرق في الذراع ، وبالنسا وهو عرق في الفخذ ، وبالأسلم وهو عرق في الخنصر متى قطع من أي جهة مات صاحبه ، قال القشيري : في هذه الآية هيبة وفزع وخوف لقوم ، وروح وأنس وسكون قلب لقوم ، أي بحسب تجلي الله تعالى وشهوده ، فإذا شهد الإنسان جلال الله وهيبته وشدة بطشه وسرعة انتقامه ، مع شدة تمكنه منه واتصال تصاريفه به ، ذاب من خشية الله ، وإذا شهد جمال الله ورحمته وإحسانه أنس وفرح. قوله : (يأخذ ويثبت) أي يكتبان في صحيفتي الحسنات والسيئات ، وقلبهما لسانه ، ومدادهما ريقه ، ومحلهما من الإنسان نواجذه. قوله : (ما يعمله) مفعول (يَتَلَقَّى.) قوله : (أي قاعدان) أشار بذلك إلى أن (قَعِيدٌ) مفرد أقيم مقام المثنى ، لأن فعيلا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع. قوله : (وهو مبتدأ خبره ما قبله) أي والجملة في محل نصب على الحال من المتلقيان.
قوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) الخ (ما) نافية و (مِنْ) زائدة في المفعول ، وقوله : (لَدَيْهِ) خبر مقدم ، و (رَقِيبٌ) مبتدأ مؤخر ، والجملة حالية. قوله : (وكل منهما بمعنى المثنى) أي فالمعنى إلا لديه ملكان موصوفان بأنهما رقيبان وعتيدان ، فكل منهما موصوف بأنه رقيب وعتيد ، وقوله : (حاضر) أي فلا يفارقه إلا في مواضع ثلاثة : في الخلاء ، وعند الجماع ، وفي حال الجنابة ، فإذا فعل العبد في تلك الحالات حسنة أو سيئة ، عرفاها برائحتها وكتباها. قوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) أي حضرت إما بالموت فرادى وهو ظاهر واقع ، أو دفعة عند النفخة الأولى ، وإنما عبر عنها بالماضي لتحقق وقوعها ، وإشارة إلى أنها في غاية القرب. قوله : (بِالْحَقِ) الباء للتعدية ، أي أتت بالأمر الحق أي أظهرته ، والمراد به ما بعد الموت من أهوال الآخرة ، ومعنى كونه حقا أنه واقع لا محالة. قوله : (وهو نفس الشدة) المناسب حذف هذه العبارة للاستغناء بما قبلها عنها ، إلا أن يقال إن الضمير في (هو) عائد على أمر الآخرة ، والمراد بالشدة الأمر الشديد ، وهو أهوال الآخرة. قوله : (تهرب) بضم الراء من باب طلب.
قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) عطف على قوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) و (الصُّورِ) هو القرن الذي ينفخ فيه اسرافيل ، لا يعلم قدره إلا الله تعالى ، وقد التقمه اسرافيل من حيث بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم منتظرا للأذن بالنفخ. قوله : (إلى يوم النفخ) أي فالإشارة إلى الزمان المفهوم من قوله : (نُفِخَ) لأن الفعل كما يدل على الحدث يدل على الزمان. قوله : (مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) اختلف في معنى السائق