بالفساق منهم فلا إثم فيه في نحو ما يظهر منهم (وَلا تَجَسَّسُوا) حذف منه إحدى التاءين ، لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) لا يذكره بشيء
____________________________________
رجلين في بعض أسفاره ، فتقدم سلمان إلى المنزل ، فغلبته عيناه فنام ، ولم يهيىء لهما شيئا ، فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئا؟ قال : لا ، غلبتني عيناي ، قالا له : انطلق إلى رسول الله فاطلب لنا منه طعاما ، فجاء سلمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله طعاما ، فقال رسول الله : انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له : إن كان عنده فضل طعام وإدام فليعطك ، وكان إسامة خازن طعام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى رحله ، فأتاه فقال : ما عندي شيء ، فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا : كان عند أسامة ولكن بخل ، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة ، فلم يجد عندهم شيئا ، فلما رجع قالوا : لو بعثناك إلى بئر سمحة لغار ماؤها ، ثم انطلقا يتجسسان ، هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله ، فلما جاءا إلى رسول الله قال لهما : ما لى أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ قال : والله يا رسول الله ، ما تناولنا يومنا هذا لحما ، قال : ظلمتما بأكل لحم سلمان وأسامة ، فنزلت الآية ، والمعنى : أن الله تعالى نهى المؤمن أن يظن بأخيه المؤمن شرا ، كأن يسمع من أخيه المسلم كلاما لا يريد به سوءا ، أو يدخل مدخلا لا يريد به سوءا ، فيراه أخوه المسلم فيظن به سوءا ، لأن بعض الفعل قد يكون في الصورة قبيحا ، وفي نفس الأمر لا يكون كذلك ، لجواز أن يكون فاعله ساهيا ، ويكون الرائي مخطئا ، فأما أهل السوء والفسق المتجاهرين بذلك ، فلنا أن نظن فيهم مثل الذي يظهر منهم.
قوله : (كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) أبهم الكثير إشارة إلى أنه ينبغي الاحتياط والتأمل في كل ظن ، خوف أن يقع في منهي عنه ، قال سفيان الثوري : الظن ظنان : أحدهما إثم ، وهو أن يظن ويتكلم به ، والآخرة ليس بإثم ، وهو أن يظن ولا يتكلم به. قوله : (وهو) أي بعض الظن كثير ، وقوله : (وهم) أي أهل الخير. قوله : (بخلافه بالفساق منهم) أي المؤمنين ، وقوله : (في نحو ما يظهر منهم) أي نحو المعاصي التي تظهر منهم ، بأن يتجاهروا بها.
قوله : (وَلا تَجَسَّسُوا) العامة على قراءته بالجيم ، وقرىء شذوذا بالحاء ، واختلف فقيل معناهما واحد ، وقيل التجسس بالجيم البحث عما يكتم عنك ، والتحسس بالحاء طلب الأخبار والبحث عنها ، والمعنى : خذوا ما ظهر ، ولا تتبعوا عورات المسلمين ، فإن من تتبع عوراتهم ، تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته. قوله : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) اعلم أن الغيبة ثلاثة أوجه في كتاب الله تعالى : الغيبة والإفك والبهتان ، فأما الغيبة فهي أن تقول في أخيك ما هو فيه ، وأما الإفك فهو أن تقول فيه ما بلغك عنه ، وأما البهتان فهو أن تقول فيه ما ليس فيه ، وقيل : إن كلا يطلق على كل وهو المشهور.
ـ واعلم ـ أن هذه الأمور المتقدم ذكرها كبائر تحتاج لتوبة ، وهل تفتقر لاستحلال المغتاب ونحوه أو لا؟ فقال جماعة : ليس عليه الاستحلال ، بل يكفيه التوبة بينه وبين الله ، لأن المظلمة ما تكون في النفس والمال ، ولم يأخذ من ماله ولا أصاب من بدنه ما ينقصه ، وقال جماعة : يجب عليه أن يستغفر لصاحبها ، لما ورد عن الحسن : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته ، وقال جماعة : عليه الاستحلال منها ولو اجمالا ، ويستثنى من الغيبة المحرمة سبعة أمور نظمها بعضهم بقوله :