كَالَّذِي) كنظر أو كدوران الذي (يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي سكراته (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) وحيزت الغنائم (سَلَقُوكُمْ) آذوكم أو ضربوكم (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي الغنيمة يطلبونها (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) حقيقة (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ) الإحباط (عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٩) بإرادته (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ) من الكفار (لَمْ يَذْهَبُوا) إلى مكة لخوفهم منهم (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) كرة أخرى (يَوَدُّوا) يتمنوا (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) أي كائنون في البادية (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) أخباركم مع الكفار (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ) هذه الكرة (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) (٢٠) رياء وخوفا من التعيير (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ) بكسر الهمزة وضمها (حَسَنَةٌ) اقتداء به في القتال والثبات في مواطنه (لِمَنْ) بدل من لكم (كانَ يَرْجُوا اللهَ) يخافه (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١) بخلاف من ليس كذلك (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) من
____________________________________
لأن شأن الجبان الخائف ينظر يمينا وشمالا ، شاخصا ببصره. قوله : (كنظر أو كدوران) أشار بذلك إلى أن قوله : (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ) نعت لمصدر محذوف من (يَنْظُرُونَ) أو من (تَدُورُ). قوله : (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي لأنه يشخص ببصره ويذهب عقله. قوله : (سَلَقُوكُمْ) السلق بسط العضو ومده للقهر ، كان يدا أو لسانا ، ففي الآية استعارة بالكناية ، حيث شبه اللسان بالسيف ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو السلق بمعنى الضرب ، فإثباته تخييل والحداد ترشيح. قوله : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي مانعين له ، فلا نفع في أنفسهم ولا في مالهم. قوله : (لَمْ يُؤْمِنُوا) (حقيقة) أي بقلوبهم وإن أسلموا ظاهرا.
قوله : (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) أي أظهر بطلانها. قوله : (يَحْسَبُونَ) أي المنافقون لشدة جبنهم. قوله : (الْأَحْزابَ) أي قريشا وغطفان واليهود. قوله : (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) أي ساكنون في البادية خارج المدينة ، ليكونوا في بعد عن الأحزاب. قوله : (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) يصح أن يكون حالا من الواو في (بادُونَ) أو جملة مستأنفة ، والمعنى يسألون كل قادم من جانب المدينة ، عما جرى بينكم وبين الكفار ، وقائلين فيما بينهم : إن غلب المسلمون قاسمناهم في الغنيمة ، وإن غلب الكفار فنحن معهم. قوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) هذه الآية وما بعدها إلى قوله : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) من تمام قصة الأحزاب ، وفيها عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المؤمنين والمنافقين. قوله : (بكسر الهمزة وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (اقتداء) أشار بذلك إلى أن الأسوة اسم بمعنى المصدر وهو الائتساء ، يقال ائتسى فلان بفلان أي اقتدى به. قوله : (في القتال) لا مفهوم له ، بل الاقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم واجب في الأقوال والأفعال والأحوال ، لأنه لا ينطق ولا يفعل عن هوى ، بل جميع أفعاله وأقواله وأحواله عن ربه ، ولذا قال العارف :
وخصك بالهدى في كل أمر |
|
فلست تشاء إلا ما يشاء |
وإنما خص القتال بالذكر لأنه معرض السبب. قوله : (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي فالمتصف بهذه الأوصاف ، ثبتت له الأسوة الحسنة في رسول الله ، وأما من لم يكن متصفا بتلك الأوصاف ،