سكنت (الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (١٠٨) صوت وطء الأقدام في نقلها إلى المحشر كصوت أخفاف الإبل في مشيها (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) أحدا (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) أن يشفع له (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (١٠٩) بأن يقول لا إله إلا الله (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمور الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) من أمور الدنيا (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (١١٠) لا يعلمون ذلك (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) خضعت (لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) أي الله (وَقَدْ خابَ) خسر (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (١١١) أي شركا (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) الطاعات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً) بزيادة في سيئاته (وَلا هَضْماً) (١١٢) بنقص من حسناته (وَكَذلِكَ) معطوف على كذلك نقص أي مثل إنزال ما ذكر
____________________________________
بعضهم. قوله : (إلى عرض الرحمن) أي العرض عليه. قوله : (لا عِوَجَ لَهُ) أي لا يزيغون عنه يمينا ولا شمالا ، بل يأتونه سراعا. قوله : (لِلرَّحْمنِ) أي لجلاله وهيبته. قوله : (إِلَّا هَمْساً) مفعول به وهو استثناء مفرغ.
قوله : (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) من مفعول به ، وهي واقعة على المشفوع له أو على الشفيع ، فقول المفسر (أن يشفع له) أي أو يشفع في غيره. قوله : (بأن يقول لا إله إلا الله) أي مع عديلتها وهي محمد رسول الله ، والمعنى أن من مات على الإسلام ، فقد رضي الله قوله ، وأذن له أن يشفع في غيره ، وأن يشفع غيره فيه. قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي الخلق عموما. قوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ) أي بما بين أيديهم وما خلفهم. قوله : (لا يعلمون ذلك) أي لا تفصيلا ولا إجمالا ، وإنما يعلمه الله سبحانه وتعالى.
قوله : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) عنا فعل ماض ، والتاء للتأنيث و (الْوُجُوهُ) فاعل وأصله عنوت ، تحركت الواو ، وانفتح ما قبلها ، قلبت ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين ، فهو من باب سما يسمو سموا ، وأما عنى كرضي يعني عنا فهو بمعنى تعب ، وليس مرادا هنا ، بل المراد خضعت وذلت ، وأل في الوجوه للاستغراق أي كل الوجوه ، والمراد أصحابها ، وخصت الوجوه بالذكر ، لأن الذل أول ما يظهر فيها. قوله : (لِلْحَيِ) أي الذي حياته أبدية ، لا أول لها ولا آخر. قوله : (الْقَيُّومِ) أي القائم على كل نفس بما كسبت ، فيجازيها على الخير والشر.
قوله : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) أشار بذلك إلى أن الخلائق تنقسم في القيامة قسمين : أهل سعادة ، وأهل شقاوة ، وكلاهما في خضوع وذل لله جل جلاله ، لكن أهل السعادة خضوعهم إجلالا وهيبة ورغبة في الله ، وأهل الشقاوة خضوعهم رهبة وإشفاقا من عذاب الله ، ويأسا من رحمة الله ، قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ). قوله : (خسر) أي ظهر خسرانه. قوله : (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) أي تحمله وارتكبه ، وهذه الآية باعتبار ظاهرها ، تدل على أن أهل الظلم خائبون خاسرون ، أي معرضون لذلك ، ففي الحديث : «الظلم ظلمات يوم القيامة» فإن الظالم ربما أداه ظلمه إلى الكفر والعياذ بالله تعالى ، فإذا مات على ذلك ، فهو مخلد في النار ، وإن مات على الإسلام ، فقد نقص عن مراتب المطهرين بسبب الزيادة في سيئاته والنقص من حسناته. قوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الجملة حالية. قوله : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) أي وبضدها تتميز الأشياء ، فالعاصي الظالم يخاف