الفرائض أو أن تعبد الله كأنك تراه كما في الحديث (وَإِيتاءِ) إعطاء (ذِي الْقُرْبى) القرابة ، خصه بالذكر اهتماما به (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) الزنا (وَالْمُنْكَرِ) شرعا من الكفر والمعاصي (وَالْبَغْيِ) الظلم للناس خصه بالذكر اهتماما كما بدأ بالفحشاء كذلك (يَعِظُكُمْ) بالأمر والنهي (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) تتعظون وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال ، وفي المستدرك عن ابن مسعود وهذه أجمع آية في القرآن للخير والشر (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) من البيع والإيمان وغيرها (إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) توثيقها (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) بالوفاء حيث حلفتم به ، والجملة حال (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١) تهديد لهم (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ) أفسدت (غَزْلَها) ما غزلته (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) إحكام له وبرم (أَنْكاثاً) حال جمع نكث وهو ما ينكث أي يحل إحكامه وهي امرأة حمقاء من مكة كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه (تَتَّخِذُونَ) حال من
____________________________________
قوله : (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) أي التصدق على القريب ، وهو آكد من التصدق على غيره ، لأن فيه صدقة وصلة ، قال عليه الصلاة والسّلام : «إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم». قوله : (من الكفر والمعاصي) أي فيدخل فيه الزنا وغيره ، فهو تعميم بعد تخصيص. قوله : (اهتماما به) أي لأنه أعظم المعاصي بعد الكفر ، ولذا قال بعض العلماء : أعجل العقوبة على المعاصي العقوبة على البغي. وفي الحديث : «لو أن جبلين بغى أحدهما على الآخر ، لانتقم الله من الباغي». وفيه أيضا «الظلمة وأعوانهم كلاب النار». قوله : (كما بدأ بالفحشاء كذلك) أي اهتماما به ، لأن فيه ضياع الأنساب والأعراض ، ويترتب عليه المقت والعقوبة من الله ، قال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).
قوله : (يَعِظُكُمْ) حال من فاعل يأمر وينهى ، أي يأمركم وينهاكم ، حال كونه واعظا لكم. قوله : (في الأصل) أي فأصله تتذكرون ، قلبت التاء ذالا ، وأدغمت في الدال. قوله : (هذه أجمع آية) الخ ، روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية على الوليد بن المغيرة. فقال : أعدها يا محمد ، فلما قرأها قال : إن له حلاوة ، وإن عليه طلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول البشر ، ولكونها أجمع آية استعملها الخطباء في آخر الخطبة.
قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) هذا من جملة المأمور به على سبيل التفصيل ، وبدأ بالأمر بالوفاء بالعهد ، لأنه آكد الحقوق ، وهذه الآية نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الإسلام ، ولكن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب. قوله : (من البيع) بكسر الباء جمع بيعة ، وهي المعاهدة على أمر شرعي. قوله : (والإيمان) جمع يمين ، أي وأوفوا بما حلفتم عليه ، ولا تحنثوا في أيمانكم ، أي إذا كان فيها صلاح ، وإلا فالحنث خير ، لقوله عليه الصلاة والسّلام : «من حلف على يمين ، فرأى غيرها خيرا منها ، فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه» فهو عام مخصوص. قوله : (وغيرها) أي كالمواعيد ، فالمراد من العهد كل ما يلزم الإنسان الوفاء به ، سواء أوجبه الله على الشخص ، أو التزمه الشخص من نفسه ، كعهود المشايخ التي يأخذونها على المريدين ، بأنهم يلازمون طاعة الله ، ولا يخالفونه في أمرنا ، فالواجب على المريدين الوفاء بها ، حيث كانت المشايخ موزونين بميزان الشرع ، متصفين بالأخلاق الحميدة والأفعال السديد. قوله : (بَعْدَ تَوْكِيدِها) أي تغليظها ، والتوكيد مصدر وكد بالواو ، ويقال أكد بالهمزة ، فمصدره التأكيد ، وهما لغتان. قوله : (كَفِيلاً) أي شهيدا. قوله : (والجملة حال) أي من فاعل تنقضوا.