(إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٥٥) ذو حفظ وعلم بأمرها وقيل : كاتب حاسب (وَكَذلِكَ) كإنعامنا عليه بالخلاص من السجن (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (يَتَبَوَّأُ) ينزل (مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) بعد الضيق والحبس ، وفي القصة : أن الملك توجه وولاه مكان العزيز وعزله ومات بعد فزوجه
____________________________________
وهو لا يليق بالأخيار. أجيب : بأن محل هذا ما لم يتعين عليهم ، وإلا فحينئذ يجب طلبها ، وأيضا ذلك بوحي من الله ، وكان بين ذلك القول وتوليته على الخزائن سنة ، وإنما أخره الملك سنة قبل التولية بالفعل مع مزيد رغبته فيه ، ليشتهر قبل التولية بين أهل المملكة في أطراف القطر ، ويصير معروفا للخاص والعام ، وأنه ذو المكانة والأمانة عند الملك.
قوله : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) تعليل لما قبله ، ومفعول اجعل الثاني محذوف ، والتقدير اجعلني أمينا على خزائن الأرض فإني حفيظ عليم. إن قلت : إن في هذا تزكية للنفس ، وقد نهى الله عن ذلك بقوله : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ). أجيب : بأن محل النهي حيث قصد بها الفخر والكبر على خلق الله ، بخلاف ما إذا قصد بها إيصال النفع للغير والإخبار بالواقع ، فلا ضرر في ذلك ، بل ذلك من باب التحدث بالنعم ، وهو مأمور به شرعا.
قوله : (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أي مكناه إياها. قوله : (بعد الضيق والحبس) أي بعد صبره على الضيق حين وضع في الجب وحين حبس. قوله : (وفي القصة أن الملك) إلخ ، قال ابن عباس وغيره : لما انقضت السنة من يوم سؤال الإمارة ، دعاه الملك فتوجّه وقلده بسيفه وحلاه بخاتمه ، وضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت ، طوله ثلاثون ذراعا ، وعرضه عشرة أذرع ، ووضع له ثلاثين فرسا وستين مأدبة ، وضرب له عليه حلة من استبرق ، وأمره أن يخرج ، فخرج متوجا ، لونه كالثلج ووجه كالقمر ، يرى الناظر وجهه فيه من صفاء لونه ، فانطلق حتى جلس على ذلك السرير ، ودانت ليوسف الملوك ، وفوض الملك الأكبر إليه ملكه ، وعزل قطفير عما كان عليه ، وجعل يوسف مكانه ، قال الزمخشري : إن يوسف قال للملك : أما السرير فأشد به ملكك ، وأما الخاتم فأدبر به أمرك ، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي ، فقال له الملك : قد وضعته إجلالا لك وإقرارا بفضلك ، وكان لملك مصر خزائن كثيرة ، فسلمها ليوسف وسلم له سلطانه كله ، وجلع أمره وقضاءه نافذا حتى بمملكته ، ثم هلك قطفير عزيز مصر في تلك الليالي ، فزوج الملك ليوسف امرأة العزيز بعد هلاكه ، فلما دخل يوسف عليها قال : أليس هذا خيرا مما كنت تريدين؟ قالت له : أيها الصديق لا تلمني ، فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنت كما جعلك الله في حسنك فغلبتني نفسي وعصمك الله ، قالوا : فوجدها يوسف عذراء فأصابها ، فولدت له ولدين ذكرين أفراثيم وميشا ، وبنتا واسمها رحمة زوجة أيوب عليهالسلام ، وميشا هو جد يوشع بن نون ، وأقام في مصر العدل ، وأحبه الرجال والنساء ، فلما اطمأن يوسف في ملكه ، دبر في جمع الطعام أحسن التدبير ، فبنى الحصون والبيوت الكثيرة ، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة ، وأنفق المال بالمعروف ، حتى خلت السنون المخصبة ، ودخلت السنون المجدبة بهول وشدة ، لم ير الناس مثله ، وقيل : إنه دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم أكلة واحدة نصف النهار ، فلما دخلت سنة القحط ، كان أول من اصابه الجوع الملك ، فجاع نصف الليل ، فنادى يا يوسف الجوع الجوع ، فقال يوسف : هذا أوان