مستأنفة أو حال لازمة (وَبَشِّرِ) أخبر (الَّذِينَ آمَنُوا) صدقوا بالله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الفروض والنوافل (أَنَ) أي بأن (لَهُمْ جَنَّاتٍ) حدائق ذات أشجار ومساكن (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي تحت أشجارها وقصورها (الْأَنْهارُ) أي المياه فيها والنهر الموضع الذي يجري فيه الماء لأن الماء ينهره أي يحفره وإسناد الجري إليه مجاز (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها) أطعموا من تلك الجنات (مِنْ ثَمَرَةٍ
____________________________________
قوله : (وَبَشِّرِ) جرت عادة الله في كتابه أنه إذا ذكر ما يتعلق بالكافرين وأحوالهم وعاقبة أمرهم يذكر بلصقه ما يتعلق بالمؤمنين وأحوالهم وعاقبة أمرهم ، فإن القرآن نزل لهذين الفريقين ، والبشارة هي الخبر السار سمي الخبر بذلك لطلاقة البشرة والسرور عنده ، والأمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو للوجوب لأن البشارة من جملة ما أمر بتبليغه ، ويحتمل أن الأمر عام له ولكل من تحمل شرعه كالعلماء. قوله : (أخبر) مشى المفسر على أن معنى البشارة الخبر مطلقا لكن غلب في الخبر وضده على الندارة ، وأما قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) فمن باب التشبيه يجامع أن كلا صادر من المولى وهو لا يتخلف. قوله : (صدقوا بالله) إنّما على ذلك لأنّه يلزم من التصديق بالله التصديق بما أخبر به على لسان رسله.
قوله : (الصَّالِحاتِ) وصف جرى مجرى الأسماء فلذلك صح إسناد العوامل له ، فلا يقال إنه صفة لموصوف محذوف أي الأعمال الصالحات. قوله : (من الفروض) أي كالصلوات الخمس وصيام رمضان والحج في العمرة مرة وزكاة الأموال والجهاد إذا فجأ العدو ، وقوله والنوافل أي كصلاة التطوع وصومه ومواساة الفقراء وغير ذلك من أنواع البر ، والمراد عملوا الصالحات على حسب الطاقة قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). قوله : (أي بأن) أشار بذلك إلى حذف الجار وهو مطرد مع أن قال ابن مالك :
نقلا وفي أن وأن يطرد |
|
مع امن لبس كعجبت أن يدوا |
قوله : (لَهُمْ جَنَّاتٍ) جمع جنة واختلف في عددها فقيل أربع وهو ما يؤخذ من سورة الرحمن ، وقيل سبع وعليه ابن عباس جنة عدن وجنة المأوى والفردوس ودار السّلام ودار الجلال وجنة النعيم وجنة الخلد. قوله : (حدائق) جمع حديقة وهي الروضة الحسنة. قوله : (ذات أشجار ومساكن) أي موجودات فيها الآن ومع ذلك تقبل الزيادة ، فالجنة تامة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، ومع ذلك أرضها واسعة طيبة تقبل الزيادة. قوله : (أي تحت أشجارها) أي على وجه الأرض بقدرة الله فلا تبلي فرشا ولا تهدم بناء ولا تقطع شجرا. قوله : (الْأَنْهارُ) يحتمل أن تكون ال للعهد والمراد بها ما ذكر في سورة القتال بقوله تعالى : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى). قوله : (أي المياه فيها) أي الأنهار وأشار بذلك إلى أن في الجنة حفرا كأنهار الدنيا ، وقيل لم يوجد في الجنة حفر تجري فيها المياه بل تجري على وجه الأرض. قوله : (والنهر الموضع) أي بحسب الأصل اللغوي. قوله : (وإسناد الجري إليه مجاز) أي عقلي أو الإسناد حقيقي ، وإنما التجوز في الكلمة من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه.
قوله : (كُلَّما رُزِقُوا) ظرف لقوله قالوا : قوله : (مِنْ ثَمَرَةٍ) أي نوعها. قوله : (أي مثل ما) الأولى حذف وما تقديم مثل على الذي وأتى بمثل دفعا لما يتوهم من قولهم (هذا الذي رزقنا من قبل) إنه عينه وذلك مستحيل لأنه قد أكل والمعنى أن الله قادر على صنع طعام متحد اللون مختلف الطعام واللذة. فإذا