رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم (وَاللهُ يُؤَيِّدُ) يقوي (بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) نصره (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) لذوي البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنون (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) ما تشتهيه النفس وتدعو إليه زينها الله ابتلاء أو الشيطان (مِنَ النِّساءِ
____________________________________
عائدة على المؤمنين ، والمعنى يشاهد المؤمنون الكفار قدر أنفسهم مرتين ، أو الكفار والمعنى يرى المؤمنون الكفار قدر الكفار مرتين محنة للمؤمنين ، ويحتمل أن الواو عائدة على الكفار والهاء عائدة على المؤمنين ، والهاء في مثليهم إما عائدة على الكفار والمعنى يرى الكفار المؤمنين قدرهم مرتين فترتب على ذلك هزيمتهم ، أو عائدة على المؤمنين والمعنى يرى الكفار المؤمنين قدر المؤمنين مرتين ففي هذه القراءة احتمالات أربع قد علمتها ومثلها على قراءة التاء لأنه يحتمل أن الخطاب للمؤمنين ، فالواو عائدة على المؤمنين والهاء عائدة على الكفار ، والضمير في مثليهم إما عائد على الكفار وهو ظاهر ، أو على المؤمنين ويكون فيه التفات من الخطاب للغيبة وكان مقتضى الظاهر أن يقول مثليكم ، ويحتمل أن الخطاب للكفار فالواو عائدة على الكفار والهاء عائدة على المؤمنين ، والضمير في مثليهم إما عائد على المؤمنين وهو ظاهر أو على الكفار وفيه التفات أيضا. بقي شيء آخر وهو أن مقتضى الآية أن المرئي كثير ، سواء كان الرائي الكفار أو المسلمين ، ومقتضى ما يأتي في سورة الأنفال أن المرئي قليل فحصل بين الآيتين تناف ، وأجيب عن ذلك بحمل ما يأتي على حالة البعد ، وما هنا على حالة التقاء الصفين ، وحكمة ذلك أنهم إذا شاهدوا القلة على بعد حملهم ذلك على الاقتحام. قوله : (أي الكفار) يقرأ بالرفع تفسيرا للواو وبالنصب تفسيرا للهاء. قوله : (وقد نصرهم الله مع قلتهم) أي مع كونهم عددا قليلا جدا ولا عدد معهم.
قوله : (لِأُولِي الْأَبْصارِ) صفة لعبرة. قوله : (أفلا تعتبرون) الخطاب لليهود أو لكفار مكة. قوله : (بذلك) أي بالنصر ورؤية الجيش مثليهم. قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) هذه الآية مسوقة لبيان حقارة الدنيا وتزهيد المسلمين فيها ، ففي الحديث «ظاهرها وباطنها عبرة» وقال الشاعر :
هي الدنيا تقول بملء فيها |
|
حذار حذار من بطشي وفتكي |
فلا يغرركمو مني ابتسام |
|
فقولي مضحك والفعل مبكي |
والفعل مبني للمفعول ، والمزين حقيقة هو الله ، ويصح أن يكون الشيطان باعتبار وسوسته ، ولذا نوع فيه المفسر. قوله : (حُبُّ الشَّهَواتِ) جمع شهوة وهي ميل النفس لمحبوبها ، ولما كان ذلك المعنى ليس مرادا فسرها بالذي تشتهيه النفس ففيه إشارة إلى أنه أطلق المصدر ، وأريد اسم المفعول إن قلت إنه يدخل في الناس الأنبياء مع أنهم معصومون من ذلك. أجيب بأنه عام مخصوص بما عدا الأنبياء ، وأما هم فهم معصومون من الميل إلى ما سوى الله لما في الحديث «حبب إليّ من دنياكم ثلاث» ولم يقل من دنيانا ، وفي الحديث أيضا «لست من الدنيا ولا الدنيا مني». قوله : (زينها الله) أي أوجد فيها الزينة. قوله : (ابتلاء) أي اختبارا ، قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). قوله : (أو الشيطان) أي بالوسوسة.
قوله : (مِنَ النِّساءِ) متعلق بمحذوف حال من الشهوات وهو تفصيل لما أجمل فيها ، وقدم النساء لأنهن أعظم زينة الدنيا ، فإنهن حبالة الشيطان ، ويحملن الإنسان على قطع الرحم واكتساب المال من الحرام وارتكاب المحرمات ، وقال عليه الصلاة والسّلام : «ما تركت فتنة أضر الرجال من النساء ، ما