بدوا
، ضرورة (١) : لزوم الإتيان بالأقل لنفسه شرعا أو لغيره كذلك (٢) أو عقلا ،
______________________________________________________
وبأحاديث البراءة
، وذكرنا أن القول بالبراءة يكون مبنيا على انحلال العلم الإجمالي إلى العلم
التفصيلي بالنسبة إلى الأقل ، والشك البدوي بالنسبة إلى الأكثر ، فالشيخ يقول
بانحلال العلم الإجمالي وصيرورة الشبهة بدوية بالنسبة إلى الأكثر.
«وتوهم انحلاله»
إشارة إلى قول الشيخ الأنصاري ، ثم حكم المصنف بفساد هذا التوهم بقوله : «فاسد»
وقد عرفت : فساد الانحلال بالوجهين اللذين تقدم توضيحهما.
وأما توهم
الانحلال المستلزم للبراءة بالنسبة إلى الأكثر فتوضيحه : أن العلم الإجمالي
بالوجوب النفسي المردد بين الأقل والأكثر ينحل بوجوب الأقل تفصيلا إما بوجوب نفسي
لو كان هو المأمور به ، وإما بوجوب غيري لو كان المأمور به هو الأكثر ، فاجتمع
علمان في الأقل أحدهما العلم التفصيلي بتعلق إلزام المولى ، وثانيهما العلم
الإجمالي بوجهه ، وهو تردده بين النفسي والغيري ، والمعتبر في الانحلال هو العلم
التفصيلي بالإلزام في أحد الطرفين وإن لم يعلم وجهه ، إذ الموضوع لحكم العقل
باشتغال الذمة هو العلم بذات الوجوب ، وأما العلم بخصوصيته فلا يعتبر فيه.
وعليه : فالتكليف
بالنسبة إلى الأقل منجز ، ويترتب العقاب على مخالفته ؛ لكونه مخالفة لما هو واجب
على كل تقدير.
فترك الواجب إذا
كان من ناحية الأقل ترتب عليه استحقاق العقوبة ، بخلاف ما إذا كان تركه من ناحية
الأكثر ، فإنه لا يترتب عليه استحقاق المؤاخذة ؛ لعدم تنجز وجوبه ، فالتكليف
بالنسبة إليه بلا بيان وهو مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان. هذا بحسب حكم العقل.
يعني : ما تقدم من الاحتياط بلزوم إتيان الأكثر كان راجعا إلى إثبات أحد جزءي
المدعى ، وهو جريان قاعدة الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين ، وعدم جريان
البراءة العقلية فيهما.
وأما إثبات جزئه
الآخر وهو جريان البراءة النقلية فيهما فخلاصته : أن البراءة الشرعية تجري في
جزئية ما شك في جزئيته ؛ لشمول حديث الرفع لها ، فترتفع به ، ويتعين الواجب في
الأقل.
(١) تعليل لقوله :
«انحلاله» وبيان له ، وقد عرفت توضيحه.
(٢) أي : شرعا ،
وقوله : «لغيره» معطوف على «لنفسه» وضميراهما راجعان على «الأقل». ثم إن هذا
الوجوب الشرعي مبني على كون وجوب المقدمة شرعيا كما قيل