.................................................................................................
______________________________________________________
أحدا إلا بما أعلمه وأوصله إليه من التكليف ، فالتكليف الذي لم يصل إلى المكلف مرفوع عنه ، فتكون دلالة الآية على البراءة على هذا الاحتمال واضحة.
إلا إن هذا الاحتمال ينافي مورد الآية ، فيكون بعيدا عن أن يكون مرادا منها ، فالآية أجنبية عن مسألة البراءة ؛ لأن كون المراد من الموصول التكليف وإن كان محتملا ؛ إلا إن كون المراد من الإيتاء هو الإعلام وإيصال التكليف إلى المكلف ممنوع ؛ إذ الإيتاء إنما هو بمعنى الإعطاء أو الإقدار لا الإعلام.
وكيف كان ؛ فالظاهر أن المراد من الموصول أحد الأمور الثلاثة :
١ ـ المال.
٢ ـ القدرة.
٣ ـ التكليف.
وعلى تقدير إرادة الأول والثاني : يلزم تقدير كلمة «بقدر» أي : لا يكلف الله نفسا إلا بقدر المال الذي أعطاها ، أو بقدر القدرة التي أقدرها ، وعلى تقدير إرادة الثالث : يكون معنى الآية : «لا يكلف الله نفسا إلا تكليفا أقدرها» ، وعلى جميع الاحتمالات تكون الآية أجنبية عن مسألة البراءة كما هو واضح.
ومنها : قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) بتقريب : أن إطاعة الحكم المجهول خارجة عن وسع المكلف في نظر عامة الناس ، فيكون الحكم المجهول مرفوعا. هذا معنى البراءة.
والجواب عنها : أن ظاهر الآية هو نفي التكليف بغير المقدور ، ومن المعلوم : أن عدم صحة التكليف بغير المقدور من الأمور المسلمة بينهم ، فيكون مضمون الآية أجنبيا عن أصالة البراءة ؛ إذ ليس الاحتياط بترك ما يحتمل التحريم من التكليف بغير المقدور.
ومنها : قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(٢) بتقريب : أنه ليهلك من ضل بعد قيام الحجة عليه ، فتكون حياة الكافر وبقاؤها هلاكا له ، ويحيا من اهتدى بعد قيام الحجة عليه ، فيكون بقاء من بقي على الإيمان حياة له. وقوله : (عَنْ بَيِّنَةٍ) أي : بعد بيان وإعلام ، ومن المعلوم : أن قضية تخصيص الضلال والاهتداء بما بعد البيان هو عدم الوجوب والحرمة قبله ، وهذا معنى البراءة.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٦.
(٢) الأنفال : ٤٢.