المراد (١) من التصديق في قوله «عليهالسلام» : «فصدّقه وكذبهم» ، حيث قال ـ على ما في الخبر ـ «يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة (٢) أنه قال قولا ، وقال : لم أقله ، فصدقه وكذبهم» ، فيكون مراده تصديقه بما ينفعه ولا يضرهم ، وتكذيبهم فيما يضره ولا ينفعهم ، وإلا (٣) فكيف يحكم بتصديق
______________________________________________________
للقبول وعدم مبادرته لتكذيبه ، وهو معنى التصديق الصوري الظاهري ، فيكون المراد من تصديقه بالله : هو التصديق الحقيقي ، ومن تصديقه «صلىاللهعليهوآلهوسلم» للمؤمنين هو التصديق الظاهري ، وربما يشهد بتغاير معنى الإيمان في الموضعين : تعديته في الأول : بالباء ، وفي الثاني : باللام.
وكيف كان ؛ فبعد ملاحظة هذه القرائن وغيرها لا يبقى مجال لتوهم إرادة التصديق المطلوب في باب حجية الخبر ، وهو التصديق الحقيقي بمعنى : ترتيب جميع آثار الصدق على المخبر به تعبدا من قوله تعالى : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، فلا تدل هذه الآية أيضا على حجية خبر الواحد.
(١) أي : ترتيب خصوص الآثار النافعة دون الضارة هو المراد من التصديق في قوله : «فصدّقه وكذّبهم».
(٢) القسامة : هو عدلان ، فخمسون قسام مائة عادل ، وفي بعض الكتب : إن القسامة هم الجماعة الذين يحلفون خمسين حلفا على الدم في باب القتيل المجهول ، بمعنى : إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل ، فادعوا على رجل أنه قتل صاحبهم ، ومعهم دليل دون البينة ، فحلفوا خمسين يمينا أن المدعى عليه قتل صاحبهم ، فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمّون قسامة.
وكيف كان ؛ فمعنى الرواية : أنه إن شهد عندك خمسون رجلا ، مع حلفهم بالله أن مؤمنا فعل كذا أو قال كذا ، وقال لك ذلك المؤمن إني لم أفعله أو لم اقله «فصدّقه» ، أي : ترتب على قوله ما يوجب نفعه ، وقل له : إنك ما فعلت أو ما قلت بما شهد خمسون قسامة عليه وتعتبر هذه الشهادة منهم كأنها لم تكن ، وهذا المعنى ينفعه ولا يضرهم ، ويكون مراد الإمام «عليهالسلام» من قوله : «وكذبهم» هو تكذيبهم فيما يضره أي : لا ترتب على شهادتهم أثرا بالنسبة إلى ذلك الأخ.
فالحاصل : إنه ليس المراد من تصديق الأخ هو : التصديق الحقيقي ، كما إنه ليس المراد من تكذيب القسامة هو : التكذيب الحقيقي ؛ لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح.
(٣) أي : وإن لم يكن المراد بالتصديق في الآية الشريفة ترتيب خصوص الآثار النافعة