متصلا ، والقطع بعدم إرادة العدوّ لا يوجب انقطاع حجيّته ؛ إلا فيما قطع أنه عدوّه ، لا فيما شكّ فيه ، كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه ، لاحتمال عداوته له ، وحسن عقوبته على مخالفته ، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرّد احتمال العداوة ، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة ، والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجيّة أصالة الظهور.
وبالجملة : كان بناء العلماء على حجيّتها (١) بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك (٢) ، ولعلّه (٣) لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما ، بإلقاء حجّتين هناك ، تكون قضيتهما (٤) بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام ، كأنّه لم يعمّه حكما من رأس ، وكأنّه لم يكن بعام ، بخلافه هاهنا فإن الحجة الملقاة ليست إلا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إكرام العدوّ في «أكرم جيراني» مثلا لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلا فيما قطع بخروجه من تحته ، فإنّه (٥) على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلا بد من اتّباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه (٦).
______________________________________________________
وكيف كان ؛ فإن السيرة المألوفة بين العقلاء قد استقرت على حجية أصالة الظهور ، مع احتمال إرادة خلاف الظاهر ، وعدم رفع اليد عنها بمجرد احتمال إرادة خلافه ، وعليه : فتكون أصالة العموم في المقام في مشكوك العداوة في المثال هي المرجع.
(١) أي : حجية أصالة الظهور بالنسبة إلى الفرد المشتبه كمحتمل العداوة.
(٢) أي : بخلاف الخاص اللفظي الذي اشتبه مصداقه ، والمراد بقوله : «هاهنا» المخصص اللبّي.
(٣) أي : لعل بناء العقلاء على حجية أصالة الظهور بالنسبة إلى المشتبه هنا دون هناك ، «لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما» أي : المخصص اللفظي واللبي.
(٤) أي : تكون قضية حجتين في المخصص اللفظي ، بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام ؛ كأن العام لم يعم الخاص الخارج حكما من رأس ، وكأنّه لم يكن بعام ، بخلاف العام في المخصص اللبّي ، «فإن الحجة الملقاة ليست إلا واحدة».
(٥) بيان لحجية العام في الفرد المشتبه في المخصص اللبّي بتقريب : أن غرض الحكيم إن كان حجية ظاهر كلامه إلا مع العلم بخلافه ، فله إلقاء كلامه على وفق هذا الغرض ، وحينئذ لا بد من اتباع ظاهره إلا إذا قامت حجة على خلافه ، ومن المعلوم : عدم قيام حجة على خلاف ظاهر العام في الفرد المشتبه ، فلا بد من اتباع ظاهره في الفرد المشتبه.
(٦) على خلاف كلام المتكلم الحكيم.