والنهي. ومن هنا قد تصدوا للجواب عن ذلك بوجوه.
(الأول) ما عن صدر المتألهين وإليك نصه : (اما الأمر والنهي فوقوعهما أيضا من القضاء والقدر ، واما الثواب والعقاب فهما من لوازم الأفعال الواقعة بالقضاء ، فان الأغذية الرديئة كما انها أسباب للأمراض الجسمانية كذلك العقائد الفاسدة والأعمال الباطلة أسباب للأمراض النفسانيّة ، وكذلك في جانب الثواب).
وهذا الجواب غير مفيد ، والسبب في ذلك أولا ان الثواب والعقاب ليسا من لوازم افعال العباد التي لا تنفك عنها ، بل هما فعلان اختياريان للمولى وإلا فلا معنى للشفاعة والغفران اللذان قد ثبتا بنص من الكتاب والسنة. وثانياً ان أفعال العباد إذا كانت واقعة بقضاء الله تعالى فبطبيعة الحال هي خارجة عن اختيارهم. ومن هنا قد صرح بان ما تعلق به قضاء الله وجب ولا يعقل تخلفه عنه. وعلى هذا فما فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب والأمر والنهي.
وبكلمة أخرى بهذا الجواب وان كان تدفع مسألة قبح العقاب على امر خارج عن الاختيار حيث ان تلك المسألة تقوم على أساس ان العقاب فعل اختياري للمولى ، فعندئذ لا محالة يكون قبيحاً. واما لو كان من لوازم الأفعال القبيحة والعقائد الفاسدة فلا يعقل قبحه إلا أنه لا يعالج مشكلة لزوم لغوية بعث الرسل وإنزال الكتب.
الثاني ما عن أبي الحسن البصري رئيس الأشاعرة والمجبرة من ان الثواب والعقاب ليسا على فعل العبد الصادر منه في الخارج ، ليقال أنه خارج عن اختياره ولا يستحق العقاب عليه ، بل انما هما على اكتساب العبد وكسبه بمقتضى الآية الكريمة (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان الله سريع الحساب).