القول الخامس : التخيير العقلي مع جريان أصالة الإباحة
والمدّعى مركّب من جزءين ، واستدل على الجزء الأوّل بقوله : « لعدم الترجيح بين الفعل والترك فيستقل العقل بينهما » ، وعلى الثاني بقوله : وشمول مثل قوله : كلّ شيء حلال حتى تعرف انّه حرام ، ولا مانع عنه عقلاً ونقلاً.
وأورد عليه المحقّق النائيني بأنّ أصالة الإباحة بمدلولها المطابقيّ تنافي المعلوم بالإجمال ، لأنّ مفاد أصالة الإباحة ، الرخصة في الفعل والترك وذلك يُناقِضُ العلم بالإلزام وهو لا يجتمع مع جعل الإباحة ولو ظاهراً (١).
الحقّ انّ الإشكال وارد وأمّا الفرق بين البراءة العقلية والشرعية حيث قلنا بجريانهما وأصالة الإباحة حيث منعنا عن جريانها فواضح ، ذلك لأنّ كلّ واحد من البراءتين ، لا يخالف العلم الإجمالي بالإلزام وإنّما المخالف نتيجتهما وهي ليست من مداليل دليل الأصل ، وأمّا أصالة الإباحة فهو بمضمونها المطابقيّة تضاد الإلزام على وجه الإطلاق فالأصل يدعي عدم الخروج عن حدّ الاستواء مع انّا نعلم أنّه خرج عنه وحكم عليه بالإلزام.
ومن هنا تبين قوة القول السادس ، وهو جريان الأُصول الأربعة : البراءتين والتخيير والاستصحاب ، وعدم جريان أصالة الإباحة.
بقيت هنا أُمور :
١. ما فائدة جريان الأُصول وجعل الحكم الظاهري مع أنّ المكلّف لا يخلو من فعل أو ترك.
الجواب : انّ الرجوع إلى الأصل لغاية احتمال لزوم التعبد بأحدهما المعيّن أو
__________________
١. فوائد الأُصول : ٣ / ٤٤٥.