في تفسير سورة سبأ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ
وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ
السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الأحزاب التي حكى الله في آخرها استهزاء الكفّار بوعد القيامة ، وذكر بعض أهوالها ، وبيّن في أولها الولاية المطلقة للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وفي وسطها رسالته وخاتميته للأنبياء كافة ، نظم بعدها سورة سبأ المبدوءة بدليل لزوم المعاد وإنكار الكفّار وقوعه ، المتوسطة باثبات رسالته إلى كافة الناس إلى يوم القيامة ، فابتدأ بذكر الأسماء المباركات حسب دأبه تعالى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ أثنى على ذاته المقدّسة بقوله : ﴿الْحَمْدُ﴾ بجنسه وبجميع أنواعه وأفراده ﴿لِلَّهِ﴾ وحده ، ومختصّ بالواجب الوجود ﴿الَّذِي لَهُ﴾ بالملكية الإشراقية والإيجادية ﴿ما فِي السَّماواتِ﴾ من الملائكة والكواكب وغيرها ﴿وَما فِي الْأَرْضِ﴾ من الجنّ والإنس والحيوان والنبات والجبال والبحار والمعادن وغيرها من الموجودات التي خلقها الله لانتفاع الانسان في دينه ودنياه ومعاده ومعاشه ، وإن لم يلزم كون الحمد على النعمة ، لأنّه الثناء على الجميل اختياري ﴿وَلَهُ﴾ تعالى وحده ﴿الْحَمْدُ فِي﴾ عالم ﴿الْآخِرَةِ﴾ الذي يكون بعد هذا العالم على قدرته وعدله وفضله ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ الذي خلق الأشياء على وفق المصلحة ، ونظمها بأحسن نظام ﴿الْخَبِيرُ﴾ والعليم بجميع ذرات الكائنات وبواطنها وعواقبها.
ثمّ قرّر كمال علمه وخبرويته وأوضحه بقوله ﴿يَعْلَمُ ما يَلِجُ﴾ ويدخل ﴿فِي﴾ مضائق ﴿الْأَرْضِ﴾ وخللها من المياه والكنوز والدافائن والأموات والأبخرة ونحوها ﴿وَما يَخْرُجُ مِنْها﴾ من المياه والأبخرة والزروع والحشائش والمعادن والأموات حين البعث وغيرها ﴿وَ﴾ يعلم ﴿ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ﴾ المطلّ من الملائكة والكتب والأمطار والبركات ونظائرها ﴿وَما يَعْرُجُ﴾ ويصعد ويدخل