وقد اورد على الشرط الأوّل أنّ أصل البراءة حيث يكون موجبا للضرر فقاعدة الضرر حاكمة عليه وعلى جميع الأدلّة من الاصول وغيرها كالأدلّة الاجتهادية (١) وهذا لا يخصّ البراءة وإن لم يكن موردها موجبا للضرر فلا مجال حينئذ للكلام.
والظاهر أنّ الفاضل التوني قدسسره ليس ناظرا إلى قاعدة لا ضرر أصلا بقرينة قوله : لتضرّر مسلم ، وإنّما هي ـ يعني قاعدة لا ضرر ـ لا تخصّ المسلم ، بل إنّ مراده قدسسره أنّ حديث الرفع حديث يتضمّن حكما إرفاقيّا امتنانيّا على هذه الامّة المرحومة فلا يكون جاريا حيث يكون فيه ضرر على مسلم آخر ، مثلا في مقام الإتلاف لا تجري البراءة إذا كان الإتلاف عن غير علم أو مضطرّا إليه أو مستكرها عليه أو غيرها ممّا تضمنه حديث الرفع ؛ لأنّ جريان حديث الرفع يوجب تضرّر المتلف منه وهو مسلم ، فحديث الرفع لا يوجب تضرّر مسلم ؛ ولذا لا يقيّد إطلاق من أتلف بحديث الرفع أصلا ، بخلاف بقيّة الأدلّة الاجتهاديّة فإنّ قوله : من أتى أهله في شهر رمضان نهارا فعليه كذا يقيّد بحديث الرفع فلا تجب الكفّارة على الناسي والمضطرّ وغير العالم كالنائم مثلا وغيرها ، بخلاف حديث من أتلف مال الغير فلا يقيّد ؛ لأنّ تقييده بحديث الرفع يوجب تضرّر المسلم.
وأمّا الشرط الثاني فهو ناظر أيضا إلى أنّ حديث الرفع بما أنّه امتناني فلا يوجب ثبوت حكم إلزامي ، إلّا أنّ الظاهر أنّ ما ذكره في هذا الشرط الثاني غير تامّ :
فإنّه إن أراد أنّه لو كان ثمّة ملازمة بين رفع الإلزام وثبوت إلزام آخر ، مثل من علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة مثلا فلا تثبت أصالة عدم وجوب الظهر وجوب الجمعة ؛ لأنّه لازم عقلي بعد فرض العلم الإجمالي بوجوب أحدهما ، واللازم العقلي لا يثبت بأصل البراءة ، فهو وإن كان لا يثبت اللازم إلّا أنّ
__________________
(١) انظر الفوائد ٢ : ٤٥٥.