التكليف بخلاف الفقدان لم يعلم له وجه ، لما ذكرناه مرارا من أنّ القضايا الحقيقيّة تدور مدار موضوعها ، فبانتفائه تنتفي فتكون كالاضطرار من حدود التكليف.
وبالجملة ، فما ذكره في الحاشية متين جدّا ، ووجهه ما ذكرناه مرارا من أنّ الاصول إذا تعارضت وتساقطت لا تعود ثانيا أصلا.
ـ وأمّا إذا كان الاضطرار قبل حدوث سبب التحريم والعلم به بأن اضطرّ إلى شرب أحد الإناءين اللذين أحدهما ماء والآخر خلّ ، فاضطرّ إلى الماء لرفع عطشه مثلا ثمّ علم بوقوع نجاسة في أحدهما بعد اضطراره إلى الماء ، ففي مثله لا ريب في عدم كون العلم الإجمالي علما بالتكليف ، لأنّ سبب التحريم إن صادف الماء فلا أثر له لأنّه حلال واقعا ، وإن صادف الخلّ يكون له أثر لكنّ مصادفته الخلّ مشكوكة فيكون الخلّ من مجاري الاصول لعدم المعارض لها حتّى تسقط.
ـ وأمّا إذا كان الاضطرار قبل حصول العلم الإجمالي بالنجاسة السابقة على الاضطرار بأن اضطرّ إلى أحد الإناءين بعينه ثمّ علم بوقوع نجاسة في أحدهما قبل الاضطرار فهل يلحق بالأوّل بلحاظ تقدّم وقوع النجاسة أو بالثاني بلحاظ تأخّر العلم بها عن اضطراره؟ وقد اتّفقت كلمات الآخوند (١) والشيخ الأنصاري (٢) والميرزا قدسسره (٣) على عدم تنجيزه ، ووجهه واضح بعد أن كان مناط تنجيز العلم الإجمالي هو تعارض الاصول وتساقطها ، ضرورة أنّه عند وقوع النجاسة لم تجر الاصول ، لعدم العلم بوقوع النجاسة حينها حتّى يشكّ في أنّها في أيّ الفردين وقعت لتتعارض الاصول في الطرفين ، فتجري أصالة الطهارة أو الحلّية أو استصحابهما في الإناءين معا ولا تعارض لعدم العلم بالنجاسة حينئذ ، وعند العلم
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.
(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٤٥.
(٣) أجود التقريرات ٣ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥.