فإنّ تعدية الجهل إلى المفعول بلفظة «على» أجلى قرينة لفظية لذلك ، وإلّا فلا تحمل الكلمة إلّا على ما يقابل العلم فقط.
وليت شعري ما يقول أصحاب هذا التوجيه غير الوجيه في معنى ما جاء في الآيات الكريمة الأربع «ظنّ الجاهليّة» و «حكم الجاهليّة» و «الحميّة الجاهليّة» و «تبرّج الجاهليّة» فهل يصحّ أن تفسّر الجاهليّة في هذه الآيات بمعنى الغضب؟
وقد رأينا أمير المؤمنين عليهالسلام وصف الجاهليّة بالجهلاء تأكيدا للمعنى المعروف من الجاهليّة ، ثمّ قال : «وبلاء من الجهل» و «إطباق جهل» ممّا يؤكّد ذلك أيضا ويدفع أيّ ترديد فيه.
«لقد أوضح لنا الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في كلماته المتقدّمة حالة العرب ومستواهم العلمي والثقافي ، وأنّهم كانوا يعيشون في ظلمات الجهل والحيرة والضّياع ..
وهذا يكذّب كلّ ما يدّعيه الآخرون ـ كالآلوسي وغيره ـ من أنّ العرب كانوا قد تميّزوا ببعض العلوم : كعلم الطبّ والأنواء والقيافة والعيافة ...» (١).
ويقول ابن خلدون بهذا الصدد «إنّ الملّة ـ العربيّة ـ في أوّلها لم يكن فيها علم ولا صناعة ، وذلك لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة .. فالقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين ، ولا دفعوا إليه ، ولا دعتهم إليه حاجة .. فالامّيّة يومئذ صفة عامّة» (٢).
ويقول عن علم الطب عند العرب : «.. طب يبنونه ـ في غالب الأمر ـ على تجربة قاصرة على بعض الاشخاص متوارثا عن مشايخ الحيّ وعجائزه ، وربّما يصحّ
__________________
(١) الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله ١ : ٤٨.
(٢) مقدمة ابن خلدون : ٥٤٣.