إنها ذكرى لا تُنسى عددتها في حينها من مكافآت الحج التي شكرت الله عليها وعلى غير ها. وهالني يوم قرأت ما قرأت ، إذا وجدتني أمام سِفر يحتاج في هذا الزمن الصعب إلى عقود لكتابته ، تسبقها عقود من الدرس الجاد والمثابرة والفطنة والذكاء الحادّ وبُعد النَّظر وسعة الأُفق ، ويحتاج أيضاً إلى مكتبات عدّة متخصّصة في علوم شتّى.
انماز منهج المؤلف بطريقة بحث تختلف عن الطرائق المألوفة التي اتّبعها مؤرخو السيرة منذ ابن إسحاق وحتى العصر الحديث ، إذ حاول ربط كثير من أحداثها بتواريخ نزول الآيات وتسلسلها ، في الأجزاء الخاصّة بعصر القرآن ، وهي ميزة ما عرفتها عند غيره من الكتّاب ، وإن كان الواقدي في مغازيه قد ذكر ما نزل من قرآن في غزوات الرسول صلوات الله عليه وآله بل إنها طريقة في البحث يصعب أن يلتزم بها أي مختصّ بأحداث تلك المرحلة مهما أُوتي من العلم إلّا إذا كان متفقّهاً عميقاً بعلوم القرآن وتفسيره ، أسباب نزوله وتاريخه ، وكان الباحث منهم لذا استطاع رؤية الأحداث بعين بصيرة جنّبته الوقوع في متاهات رواة السيرة وأخبارها ، وفي ذات الوقت بصرّته بالغثّ والسمين منها.
والكتاب فيما أحسب أيضاً جديد من باب آخر ، فهو أول دراسة جادّة للسيرة النبوية ، وعهد الخلفاء الأوّلين من وجهة نظر علماء أهل البيت ، إذ استند في كثير من مباحثه على أخبار مرويّة عن أئمتهم عليهم السلام ، أما غالبيّة من تعرّض للسيرة أو لبعض أحدثما سواء أكانوا من الشيعة أم السنّة كتبوها اعتمداً على روايات كتّاب السيرة القدماء كابن إسحاق وابن هشام والواقدي وابن سعد والبلاذري ، ومن خلال ما كتبه المؤرخون القدماء كالطبري والمسعودي وغيرهما ، وأضافوا إليها مناقشاتهم لأحداثها من خلال المصادر الأُخرى ، وكان التركيز في غالبيّتها على كتب أهل الحديث ، وما جاء فيها من أخبار ومرويّات ، وجميعها لم تأخذ