لأنّها تابعة للدلالة المطابقيّة الزائلة قطعا الساقطة عن الحجّية. مثلا إذا قامت البيّنة على كونه قد نذر إطعام خمسين رجلا ليلة أوّل شهر رمضان وعلم أنّه لم ينذر إكرام خمسين قطعا فلا يقال : إنّه يجب عليه أن يكرم أربعين ؛ لأنّه يحتمل أنّه قد نذر إكرامهم كلّا ، لأنّ إكرام أربعين الذي قامت عليه البيّنة الأربعين في ضمن الخمسين لا مطلقا. وهذا بخلاف العموم الاستغراقي.
والسرّ في هذه التفرقة واضحة فإنّه في العموم الاستغراقي يكون الإخبار إخبارات متعدّدة بتعدّد الأفراد فسقوط أحدها عن الحجيّة لا يضرّ ببقاء الباقي من الإخبارات على حجّيته ، بخلاف العموم المجموعي فإنّ الإخبار فيه إخبار واحد فإذا فرض العلم بكذبه سقط عن الحجّية كلّية. هذا كلّه ـ يعني ما ذكرنا من حجّية العامّ المخصّص في بقيّة الأفراد ـ فيما إذا كان المخصّص معلوم المدلول.
وأمّا إذا كان مجملا فقد يكون مردّدا بين المتباينين كما إذا قال : «أكرم النساء إلّا ذات القرء» وقد يكون مردّدا بين الأقلّ والأكثر كما إذا قال : «أكرم العلماء إلّا الفسّاق» وشكّ في مفهوم الفاسق وأنّه مرتكب الكبيرة فقط أو مرتكب الصغيرة أيضا ، فحيث يكون مجملا ويكون متّصلا فلا ريب في سراية إجمال المخصّص إلى إجمال المراد من العموم بالإرادة الجدّية والاستعماليّة معا.
نعم يكون العامّ حجّة بالنسبة إلى ما قطع بعدم خروجه من الأفراد كما في غير مرتكب الصغيرة والكبيرة فإنّه واجب الإكرام قطعا بموجب العموم ، وأمّا ما احتمل دخوله تحت المخصّص فلا يمكن التمسّك فيه بالعموم لإجماله فيرجع فيه إلى الاصول العمليّة من غير فرق بين المتباينين والأقلّ والأكثر.
وأمّا إذا كان منفصلا فإن كان مرددا بين المتباينين فلا ريب في عدم كون العامّ حجّة في كلّ من المتباينين ، للعلم الإجمالي بعدم تحقّق الإرادة الجدّية بالنسبة إلى أحد المتباينين بمعنى كون الإرادة الجدّية مزاحمة بأظهر منها ، فنحن نعلم بأنّ العامّ ليس بحجّة في أحدهما قطعا فلا يكون العموم حجّة في أحدهما أصلا. وأمّا إذا دار الأمر