المقام إنّما طرأت من خروج بعض الأفراد ، وبما أنّ الدلالة على كلّ فرد في عرض دلالته على الفرد الثاني فخروج البعض لا يوجب دفع دلالته عن الباقي ، فافهم (١).
ولا يخفى أنّ هذه المقدّمات وإن سلّمت من كون ثبوت الحكم ثبوتا لبعض الأفراد غير مرتبط بثبوته بالباقي ودلالة كذلك ، إلّا أنّ دلالة العامّ على كلّ من البعضين موقوفة على استعماله في العموم فإذا لم يكن مستعملا في العموم حسب الفرض فلا يعلم دلالته على الباقي لإمكان إرادة مرتبة أقل من تلك المرتبة مثلا فلا معيّن لإرادة الباقي ، مضافا إلى أنّ هذا إنّما يتمّ في الاستغراقي ، وأمّا العموم المجموعي فالحكم ثبوتا وإثباتا مربوط بتماميّة الأفراد والتمسّك بإرادة الباقي مشتركة بين كلا العمومين. نعم بناء على ما ذكرنا من كون الاستعمال حقيقة إمّا على مسلكنا أو مسلك الميرزا النائيني قدسسره يرتفع الإشكال ، فافهم وتأمّل.
بقي شيء لا بأس بالتنبيه عليه ، وهو أنّه لو علم إرادة المتكلّم للعموم جدّا وأنّ الإرادة الاستعماليّة المستندة إلى الوضع وهي إرادة تفهيم العموم والإرادة الجدّية المستندة إلى بناء العقلاء متوافقتان ولكن نعلم أنّ المتكلّم مخطئ قطعا مثلا إذا قال : «كلّ إناء في داري نجس» وعلمنا أنّه يريد العموم جدّا ولكنّه جاهل بطهارة الإناء الفلاني الذي شاهدنا وقوع المطر فيه ، فلا ريب في أنّ الدلالة المطابقيّة تسقط ، وهل تسقط الدلالة التضمّنية فلا يحكم بنجاسة بقيّة الإناءات التي لم يعلم إصابة المطر لها أم تبقى؟
الظاهر التفصيل بين كون العموم استغراقيّا منحلّا إلى إخبارات عديدة بالنجاسة وإنّما جمعها للاختصار في البيان فلا تسقط الدلالة التضمّنية حينئذ ؛ لأنّ العلم بعدم كون أحد الإخبارات صحيحا لا يوجب سقوط حجيّة بقيّة الإخبارات ، وبين ما إذا كان مجموعيّا وكان الإخبار إخبارا واحدا فلا يكون للدلالة التضمّنية حينئذ مجال ؛
__________________
(١) انظر مطارح الأنظار ١ : ١٣٣ ، وأجود التقريرات ٢ : ٣١١.