أحدهما : أنّا إذا بنينا على الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته عقلا فيكون وجوب المقدّمة من قبيل لوازم الماهيّة لوجوب ذي المقدّمة فوجوبها عقلي ، والوجوب العقلي غير قابل للتخصيص في مورد أصلا. وما ذكره صاحب الكفاية قدسسره : من أنّ الوجوب إنّما هو في ظرف عدم الحرمة (١) غير تامّ ؛ إذ بعد فرض كون وجوب المقدّمة بحكم العقل والمفروض فعليّة وجوب ذي المقدّمة كيف يعقل أن لا يحكم بوجوب المقدّمة حينئذ؟ وأحكام العقل غير قابلة للتخصيص ؛ إذ المفروض تحقّق الملازمة بين كلّ مقدّمة وذيها في الوجوب.
الثاني : أنّه قد يقال ذكرتم في ردّ كلام صاحب الفصول القائل بكون الخروج واجبا ومبغوضا بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار (٢) أنّ العبرة بزمان الفعل فإن كان عند صدوره حسنا وذا مصلحة لم يحسن أن ينهى عنه وإن كان قبيحا لم يحسن أن يأمر به ، وهذا الكلام بعينه جار في المقام حرفا بحرف ، فإنّ الخروج المقدّمي إن كان حسنا فلم يجري عليه حكم المعصية ، وإن كان مبغوضا فلم يأمر به المولى.
والجواب : أنّ ما ذكر متين في الواجبات النفسيّة فإنّ المصلحة إن وجدت فيه وكانت أهمّ فلا معنى للنهي وإلّا فلا معنى للأمر ، إلّا أنّ هذا في الواجب الغيري لا يضرّ كما هو محلّ الكلام. والسرّ في ذلك أنّ الواجب النفسي ما كانت المصلحة في ذاته والمحبوبيّة لذاته وهما لا يجتمعان مع المفسدة الذاتيّة والمبغوضيّة النفسيّة فلا بدّ من الكسر والانكسار والحكم بفعليّة الأهمّ ملاكا ، وهذا بخلاف الوجوب والمحبوبيّة الغيريّة فإنّهما يجتمعان مع المبغوضيّة الذاتيّة.
وأحسن شاهد لذلك الوجدان فإنّ المبغوض قد يلجأ المولى إلى إيجابه وجوبا غيريّا كما في المقام ، فإنّ الخروج حيث يكون مقدّمة للواجب بناء على وجوب
__________________
(١) انظر كفاية الأصول : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
(٢) انظر الفصول : ١٣٨.