وحيث انتهى الكلام إلى هنا فلا بأس بالتعرّض إلى أنّ جهة العباديّة منافية لأخذ الاجرة أم لا؟ فنقول : إنّ المكلّف كزيد إذا آجر نفسه للصلاة عن عمرو سنة بخمس دنانير مثلا ، فبما أنّ الإجارة من العقود المملّكة فقد ملك بالعقد الاجرة كما ملك المستأجر بالعقد أيضا العمل عليه ، فإذا سلّمه الاجرة فهو يتصرّف بها تصرّف المالك في ملكه شرعا ، وحينئذ فأيّ شيء يدعوه إلى الإتيان بالصلاة؟ ومعلوم أنّه لا يدعوه إلّا أمر الشارع بالوفاء بالعقد ؛ إذ قد ملك الدراهم وتصرّف بها حسب الفرض فليس له داع إلى العمل حينئذ إلّا الخوف من الله أن يخالف الأمر بالوفاء بالعقد فلا يدعوه إلّا أمر الله. هذا إن كان الأجير ثقة ـ كما هو الغالب ـ فيأتي بالعمل فيما بينه وبين نفسه من غير اطّلاع المستأجر على ذلك ، وأمّا إذا كان غير ثقة فاستأجره للصلاة مثلا بحضوره فلأيّ داع ينوي الصلاة عن من استؤجر عنه ؛ إذ قد لا ينوي أو ينوي الصلاة عن نفسه أو أبيه ، فلا يدعوه إلى العمل الصحيح إلّا الخوف من عذاب الله عزوجل.
وكذا الجعالة فإنّها وإن كانت توجب الملكية بعد العمل إلّا أنّه لو كان داعيه أخذ المال لم يكن موجب لإتيان العمل صحيحا ؛ إذ المال يسلّم إليه بدعواه العمل أو بصدور صورة العمل منه. فالداعي إلى إتيان العمل حقيقة أمر الشارع بالوفاء ، وهو وإن كان توصّليّا إلّا أنّه إذا تعلّق بتعبّديّ يكون تعبّديا. هذا مختصر الكلام في عدم منافاة أخذ الاجرة لجهة العباديّة ويأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
ومن جملة الثمرات ما ذكره بعضهم (١) من أنّه إذا قلنا بوجوب المقدّمة ففيما لو كانت محرّمة تكون مبنيّة على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه في الصحّة وعدمها ، فتكون صحيحة على القول بجواز الاجتماع وعلى القول بعدم الجواز تكون فاسدة ،
__________________
(١) وهو المنسوب إلى الوحيد البهبهاني ، انظر القوانين ١ : ١٠١ ، ومطارح الأنظار ١ : ٣٩٦ ، وبدائع الأفكار : ٣٤٦.