خالق سواه فما معنى أحسن الخالقين؟ والحقّ أنّ الخلق بمعنى الإيجاد فكما نقول : أوجد زيد القيام ، تقول : خلقه.
وقد استدلّ بعضهم (١) بقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ.)
والجواب : أنّ الآية (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ* وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٢) فالمراد من (ما تَعْمَلُونَ) الصنم الذي تنحتونه بأيديكم من الصخر والحجار.
ثانيها : ما ذكره الفخر الرازي (٣) ، وملخّصه : أنّ الأفعال الصادرة من المكلّفين صورة إمّا أن يعلم الله صدورها أو لا يعلم ، لا سبيل إلى الثاني لاستلزامه نسبة الجهل إلى الله تعالى فلا بدّ من تعلّق علمه بصدورها ، وحينئذ فيستحيل أن يتركها العبد ، وهذا هو معنى الجبر ؛ إذ لا قدرة للعبد إلّا على فعلها. ثمّ إنّه بعد أن أرعد وأبرق ذكر أنّ هذا الدليل لا يستطيع أحد ردّه إلّا أن يلتزم بمذهب هشام بن الحكم فينكر علم الله بذلك وينسبه إلى الجهل.
أقول : وقد ذيّل بعض الأشاعرة (٤) هذا البرهان بأنّ أبا لهب قد أخبر الله عنه بأنّه (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ)(٥) فهل يكون أبو لهب قادرا على الإسلام؟
والجواب : أنّ الله تعالى عالم بصدور هذا الفعل منه ، لكن علم الله بمعنى أنّه انكشف لديه أنّه يفعل ، لكن هذا الكشف ليس له دخل في إيجاد الفعل ، فهو نظير علمنا بأنّ زيدا لا يترك الصلاة أو أنّ الشمس تطلع غدا ، فهل لعلمنا بهذه الأشياء دخل في طلوع الشمس وعدم ترك زيد لصلاته؟ فكذلك علم الله من هذه الجهة ،
__________________
(١) انظر شرح المواقف ٨ : ١٥٨.
(٢) الصافات : ٩٥ و ٩٦.
(٣) انظر التفسير الكبير ٢٥ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ذيل الآية ، وشرح المواقف ٨ : ١٥٥.
(٤) انظر شرح المواقف ٨ : ١٥٦.
(٥) المسد : ٣.