وعدم استقلاله ، بل المنفيّ اللحاظ الاستقلالي والآلي وهما منفيّان عن المعنى قبل تعلّق اللحاظ به ؛ ضرورة أنّهما من أوصاف اللحاظ اللاحق للمعنى لا من أوصاف نفس المعنى.
ولا يخفى أنّ هذا الوجه هو الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام صاحب الكفاية قدسسره وحينئذ فلا يرد عليه شيء إلّا أنّ افتراق المعنى الحرفي عن المعنى الاسمي بكون المعاني الاسمية مستقلّة والمعاني الحرفية آلة وحالة للغير لا نهتدي إليه ؛ لأنّه إن أريد من كون المعاني الحرفية آلة أنّه مرآة لطرفيها ، مثلا في : سرت من البصرة تكون «من» مرآة للسير والبصرة ، ففساده واضح ؛ إذ المباين كيف يكون مرآة لمباينه؟ ومعلوم مباينة معنى «من» لمعاني طرفيها ، وإن أريد من كونها مرآة كونها مشخّصة لفرد من أفراد ذلك المعنى الكلّي فهي آلة لتحقيق فرد من أفراده فهو مسلّم لكنّه يقتضي أن تكون المعاني الاسميّة كلّها كذلك أي معاني حرفية ؛ إذ المعنى الاسمي الكلّي قد يلحظ بما هو هو فيقال : الإنسان نوع ، وقد يلحظ من حيث الوجود الخارجي فيقال : الإنسان ضاحك ، ضرورة أنّ الضحك ليس من عوارض مفهوم الإنسان وإنّما هو من عوارض وجوده الخارجي الذي يكون الإنسان في المثال مرآة له ، ونظيره قولنا : النار حارّة.
وأمّا حديث كون المعنى إن اتصف بكونه حالة لغيره كان حرفيّا فلا نتصوّر له معنى ؛ إذ المعنى الحرفي كونه حالة لغيره ذاتي له فكيف يكون وصفا له ، وذاتي الشيء لا يعتبر وصفا فيه؟
إلّا أن يقال : إنّ المعنى تارة يلحظ من حيث نفسه ويحكم عليه بذلك اللحاظ فيكون معنى اسميا ، واخرى يلحظ بما أنّه حالة من أحوال الغير فيكون معنى حرفيّا ، كما ذكروا نظير ذلك في الفرق بين المصادر وأسمائها فقالوا ـ يعني الفلاسفة ـ : إنّ المعنى المصدري إن لوحظ حالة لغيره فهو مصدر وإن لوحظ في نفسه فهو اسم المصدر.