وأمّا الحركة
الأخبارية فكانت ذات دوافع دينية ، وقد اتهمت العقل لحساب الشرع لا لحساب التجربة
، فلم يكن من الممكن أن تؤدّي مقاومتها للعقل الى انكار الشريعة والدين.
ولهذا كانت
الحركة الأخبارية تستبطن ـ في رأي كثير من ناقديها ـ تناقضا ، لأنّها شجبت العقل
من ناحية لكي تخلي ميدان التشريع والفقه للبيان الشرعي ، وظلّت من ناحية أخرى
متمسكة به لا ثبات عقائدها الدينية ، لأنّ اثبات الصانع والدين لا يمكن أن يكون عن
طريق البيان الشرعي بل يجب أن يكون عن طريق العقل .
إنّ التناقض
الذي أشار اليه السيد الشهيد بقوله : «ولهذا كانت الحركة الأخبارية تستبطن ـ في
رأي كثير من ناقديها ـ تناقضا».
الظاهر ينافي
قول المحدث الاسترابادي فانّه يرى انحصار الدليل في غير الضروريات في السماع عن
الشريعة ، فالضروريات والأحكام البديهية العقلية لا تحتاج سماعها من الشرع بل
العقل الفطري والحكم الضروري بنفسه دليلا قاطعا وإليك نصّ عبارة الأمين
الاسترابادي :
إنّ العلوم
النظرية قسمان : قسم ينتهي الى مادة هي قريبة من الإحساس ، ومن هذا القسم علم
الهندسة والحساب ، وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء
والخطأ في نتائج الأفكار ، والسبب في ذلك انّ الخطأ في الفكر امّا من جهة الصورة
أو من جهة المادة ، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء لأنّ معرفة الصورة من
الأمور الواضحة عند الأذهان المستقيمة ، ولأنّهم عارفون بالقواعد المنطقية ، وهي
عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة ، والخطأ من جهة المادة لا يتصوّر في هذا العلوم ،
لقرب المواد فيهما الى الإحساس.
وقسم ينتهي الى
مادة هي بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الإلهية والطبيعية ، وعلم الكلام
، وعلم أصول الفقه ، والمسائل النظرية الفقهية ، وبعض القواعد المذكورة في كتب
المنطق ، كقولهم : الماهية لا تتركب من أمرين متساويين ،
__________________