واما الدليل
على ان هذا القسم وجود غير مستقل خارجا ، وانه وجود لا فى نفسه. فهو ان ثبوت شىء
لشىء ليس أمرا مستقلا بل هو فى ضمن شيئين : جوهر وعرض ، إذ لو كان للنسب وجود
مستقل لكان قائما بغيره لا محالة. فلا بد من رابط هناك بينه وبين معروضه. وهكذا
ننقل الكلام الى ذلك الربط فلو كان موجودا فى نفسه. لاحتاج الى معروض ، وإلى ما لا
نهاية له ، ولاجل كونه غير مستقل فى الوجود عبر عنه بالوجود الرابط ، وذلك لقيامه
بوظيفة مهمة هى ربط العرض بالجوهر.
اذا عرفت هذا :
فالمعانى الاسمية إنما هى من قبيل الجواهر والاعراض حيث انها معان مستقلة بحسب
المفهوم والوجود ، واما الحروف فهى النسب والروابط ، وقد وضعت الحروف للدلالة على
تلك المعانى النسبية. فان (النسبة) ـ تارة ـ يقصد منها ثبوت شىء لشىء. واخرى ـ
ثبوت شىء فى شىء وهى (الظرفية) وثالثة ـ ثبوت شىء بشىء وهى الآلة وجامعه هو الربط.
وهذه كلها نسب خارجية. اما مفهوم الربط الذى هو ربط بالحمل الاولى فهو معنى اسمى ،
لكونه مستقلا فى عالم التعقل والادراك ، ونسبته الى واقع النسبة كالعنوان الى
معنونه ، واما المعنى الحرفى فهو ربط بالحمل الشائع.
والحاصل ان
حكمة الوضع كما تقتضى وضع الالفاظ للمعانى الاسمية من الجواهر والاعراض ، كذلك
تقتضى ان تكون النسب موضوعا لها شىء ، وليس الموضوع لها الا الحروف فالحروف وضعت
للنسب الواقعية الخارجية التى هى غير مستقلة فى الوجود اصلا. وليست موضوعة لمفاهيم
النسب الخاصة كالنسبة الظرفية ، والابتدائية وهكذا فقولنا : كلمة (فى) موضوعة
للنسبة الظرفية لا نريد به انها موضوعة لهذا المفهوم ـ