المعرفة البشرية المحصورة في الحس والعقل.
أما طور ما وراءهما ، نقصد الوحى ، والمعرفة الآتية من قبله ، فلا تتأثر بشيء ، باعتبار مصدرها الإلهى ، فهى معرفة فوق الزمان والمكان مؤثرة غير متأثرة.
أما منهج الأثر والتأثر عند نفر من المستشرقين فإنه يقوم على نزعة التعالى والترفع والعلمنة ، لاعتقادهم أن الحضارة اليونانية ـ وحضارتهم الأوربية امتداد لها ـ هى أصل الحضارات ، ومن ثم فهى المؤثرة دائما ، وكل شىء يرد إليها.
فلما رأى المستشرق أن حضارته الغربية ما هى إلا مردود للحضارة اليونانية ، متأثرة بها كل التأثر ظن أن كل الحضارات كذلك لا بدّ آخذة من اليونان ، مردودة إلى حضارتهم. فى حين لو أنه قارن مقارنة موضوعية منصفة بين الفكر الإسلامى ، والحضارة اليونانية لوجد أن ما بينهما كانت علاقة رفض أكثر منها علاقة قبول (١). وخطأ المستشرق ـ أيضا ـ ناتج عن تصور العلاقة بين الثقافات على أنها أحادية الطرف ، الأولى معطية منتجة مبدعة وهى الثقافة الأوربية ، والثانية مستقبلة ـ دائما ـ مجدبة فارغة ، خاوية وهى الثقافة غير الأوربية (٢).
ولو أنصف المستشرق لعلم أن هيرودت وأفلاطون قد زارا مصر ، وتأثرا بالحضارة الفرعونية ، كما أن انطباعات فيثاغورث عن الشرق غير خافية في فلسفته.
بعض المستشرقين يتجاهلون الثوابت التاريخية ، وينكرون الجميل ـ إذا صح التعبير ـ ويقابلون الحسنة بالسيئة ، من الثابت أن أوربا تأثرت بالحضارة الإسلامية تأثرا عظيما ، يقول «جوستاف لوبون» : «كان الشرق يتمتع بحضارة زاهرة بفضل العرب (٣) ، وأما الغرب فكان غارقا في بحر من الهمجية ، ولم يكن عند أولئك البرابرة ـ يقصد الحملات الصليبية على ديار الإسلام ـ ما يفيد الشرق ولم ينتفع الشرق منهم بشيء في الحقيقة ، ولم يكن للحروب الصليبية عند أهل الشرق من النتائج سوى بذرها في قلوبهم الازدراء للغربيين على مر الأجيال» (٤).
التبادل إذن ليس أحادى ، بل العكس كانت الحضارة الإسلامية هى الأصل وهى النبع.
وتطبيقات هذه الفئة من المستشرقين لهذا المنهج على الإسلام وعلومه تكمل عملية الهدم التى مارسها المنهج التاريخى ، والمنهج التحليلى وكذلك المنهج الإسقاطى.
__________________
١ ـ د حسن حنفى : السابق ص ١٠٧ ـ ١٠٨.
٢ ـ د حسن حنفى : السابق ص ١٠٧ ـ ١٠٨.
٣ ـ بل قل بفضل المسلمين.
٤ ـ جوستاف لوبون : حضارة العرب ص ٣٣٤.