قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦)
____________________________________
(٨٤) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) على مذهبه وطريقته ، فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإعراض عند الإنعام ، واليأس عند الشدّة ، والمؤمن يفعل ما يشبه طريقته من الشكر عند الرّخاء ، والصّبر والاحتساب عند البلاء ، ألا ترى أنّه قال : (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أي : بالمؤمن الذي لا يعرض عند النّعمة ولا ييئس عند المحنة.
(٨٥) (وَيَسْئَلُونَكَ) يعني : اليهود (١)(عَنِ الرُّوحِ) والرّوح : ما يحيا به البدن ، سألوه عن ذلك وحقيقته وكيفيّته ، وموضعه من البدن ، وذلك ما لم يخبر الله سبحانه به أحدا ، ولم يعط علمه أحدا من عباده ، فقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي : من علم ربّي ، أي : إنّكم لا تعلمونه. وقيل : من خلق ربّي ، أي : إنّه مخلوق له. (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) وكانت اليهود تدّعي علم كلّ شيء بما في كتابهم ، فقيل لهم : وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا بالإضافة إلى علم الله تعالى.
(٨٦) (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لنمحونّه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) لا تجد من تتوكّل عليه في ردّ شيء منه.
__________________
(١) عن ابن مسعود قال : بينا أنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يتوكأ على عسيب ـ مرّ بنفر من اليهود ، فقال بعضهم : سلوه عن الرّوح ، وقال بعضهم : لا تسألوه لا يسمعكم ما تكرهون ، فقاموا إليه فقالوا : يا أبا القاسم حدّثنا عن الروح ، فقام ساعة ينظر ، فعرفت أنّه يوحى إليه فتأخّرت حتى صعد الوحي ، ثم قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٤٠١ ، ومسلم في صفات المنافقين برقم ٢٧٩٤ ، والنسائي في التفسير ١ / ٦٧٠.