وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
____________________________________
بذلك منزلته (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) مال إلى الدّنيا وسكن إليها ، وذلك أنّ قومه أهدوا له رشوة ليدعو على قوم موسى ، فأخذها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) انقاد لما دعاه إليه الهوى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) أراد أنّ هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر ، وإن تركته لم يهتد ، فالحالتان عنده سواء ، كحالتي الكلب اللاهث ، فإنّه إن حمل عليه بالطّرد كان لاهثا ، وإن ترك وربض كان أيضا لاهثا كهذا الكافر في الحالتين ضالّ ، وذلك أنّه زجر في المنام عن الدّعاء على موسى فلم ينزجر ، وترك عن الزّجر فلم يهتد ، فضرب الله له أخسّ شيء في أخسّ أحواله ، وهو حال اللهث مثلا ، وهو إدلاع اللّسان من الإعياء والعطش ، والكلب يفعل ذلك في حال الكلال وحال الرّاحة ، ثمّ عمّ بهذا التّمثيل جميع المكذّبين بآيات الله فقال : (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعني : أهل مكّة. كانوا يتمنّون هاديا يهديهم ، فلما جاءهم من لا يشكّون في صدقه كذّبوه ، فلم يهتدوا لمّا تركوا ، ولم يهتدوا أيضا لمّا دعوا بالرّسول ، فكانوا ضالّين عن الرّشد في الحالتين (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) يعني : قصص الذين كذّبوا بآياتنا (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فيتّعظون ، ثمّ ذمّ مثلهم ، فقال :
(١٧٧) (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآياتنا (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) بذلك التّكذيب. يعني : إنّما يخسرون حظّهم.
(١٧٩) (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) [خلقنا](١)(لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) وهم الذين حقّت
__________________
(١) ما بين [ ] ليس في الأصل ع.