١٤٦ ـ (وَكَأَيِّنْ) : الأصل فيه «أي» التي هي بعض من كل أدخلت عليها كاف التشبيه ، وصار في معنى كم التي للتكثير ، كما جعلت الكاف مع ذا في قولهم : «كذا» لمعنى لم يكن لكلّ واحد منهما ، وكما أن معنى «لولا» بعد التركيب لم يكن لهما قبله ، وفيها خمسة أوجه كلها قد قرئ به : فالمشهور «كأيّن» ، بهمزة بعدها ياء مشددة ، وهو الأصل.
والثاني : «كائن» ـ بألف بعدها همزة مكسورة من غير ياء ؛ وفيه وجهان :
أحدهما ـ هو فاعل من كان يكون ، حكي عن المبرد ؛ وهو بعيد الصحة ؛ لأنّه لو كان كذلك لكان معربا ولم يكن فيه معنى التكثير.
والثاني ـ أنّ أصله كأيّن ، قدمت الياء المشددة على الهمزة فصار كيّئ. فوزنه الآن كعلف ؛ لأنّك قدّمت العين واللام ، ثم حذفت الياء الثانية لثقلها بالحركة والتّضعيف ، كما قالوا في أيّهما أيّهما ، ثم أبدلت الياء الساكنة ألفا ، كما أبدلت في آية وطائى.
وقيل : حذفت الياء لساكنة وقدّمت المتحركة فانقلبت ألفا.
وقيل : لم يحذف منه شيء ولكن قدّمت المتحركة وبقيت الأخرى ساكنة وحركت بالتنوين مثل قاض.
والوجه الثالث ـ «كإ» على وزن كع ؛ وفيه وجهان :
أحدهما ـ أنه حذف إحدى الياءين على ما تقدّم ، ثم حذفت الأخرى لأجل التنوين.
والثاني ـ أنه حذف الياءين دفعة واحدة ، واحتمل ذلك لمّا امتزج الحرفان.
والوجه الرابع ـ «كأي» ـ بياء خفيفة بعد الهمزة ، ووجهه أنه حذف الياء الثانية وسكّن الهمزة لاختلاط الكلمتين وجعلهما كالكلمة الواحدة ، كما سكّنوا الهاء في لهو ، وفهو ؛ وحرّك الياء لسكون ما قبلها.
والخامس ـ «كيئ» بياء ساكنة قبل الهمزة ؛ وهو الأصل في كاء ؛ وقد ذكر.
فأما التنوين فأبقي في الكلمة على ما يجب لها في الأصل ، فمنهم من يحذفه في الوقف لأنّه تنوين ؛ ومنهم من يثبته فيه ؛ لأنّ الحكم تغيّر بامتزاج الكلمتين.
فأمّا أي فقال ابن جني : هي مصدر أوى يأوي إذا انضم واجتمع ، وأصله أوى ، فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت وأدغمت مثل طي وشي. وأمّا موضع كأين فرفع بالابتداء ، ولا تكاد تستعمل إلا وبعدها من ، وفي الخبر ثلاثة أوجه :
أحدها ـ «قتل» ، وفي قتل الضمير للنبي ، وهو عائد على كأين ؛ لأنّ كأين في معنى نبي ؛ والجيّد أن يعود الضمير على لفظ «كأين» ، كما تقول : مائة نبي قتل ؛ فالضمير للمائة ؛ إذ هي المبتدأ.
فإن قلت : لو كان كذلك لأنّثت ، فقلت :
قتلت؟ قيل : هذا محمول على المعنى ؛ لأنّ التقدير : كثير من الرجال قتل ، فعلى هذا يكون (مَعَهُ رِبِّيُّونَ) في موضع الحال من الضمير في قتل.
والثاني ـ أن يكون قتل في موضع جرّ صفة لنبي ، ومعه ربّيّون الخبر ؛ كقولك : كم من رجل صالح معه مال.
والوجه الثالث ـ أن يكون الخبر محذوفا ؛ أي في الدنيا ، أو صائر ، ونحو ذلك. فعلى هذا يجوز أن يكون قتل صفة لنبي ، ومعه ربّيّون حال على ما تقدم.
ويجوز أن يكون قتل مسندا لرّبيين ، فلا ضمير فيه على هذا ، والجملة صفة نبي.
ويجوز أن يكون خبرا ؛ فيصير في الخبر أربعة أوجه.
ويجوز أن يكون صفة لنبي والخبر محذوف على ما ذكرنا.
ويقرأ «قاتل» ؛ فعلى هذا يجوز أن يكون الفاعل مضمرا وما بعده حال ، وأن يكون الفاعل ربّيون.
ويقرأ «قتل» ـ بالتشديد ، فعلى هذا لا ضمير في الفعل لأجل التكثير ، والواحد لا تكثير فيه ، كذا ذكر ابن جني ؛ ولا يمتنع فيه أن يكون فيه ضمير الأوّل ؛ لأنّه في معنى الجماعة.
و (رِبِّيُّونَ) ـ بكسر الراء ، منسوب إلى الرّبّة ، وهي الجماعة ، ويجوز ضمّ الراء في الرّبة أيضا ، وعليه قرئ ربّيّون بالضم ؛ وقيل من كسر أتبع ، والفتح هو الأصل ، وهو منسوب إلى الرب ، وقد قرئ به.
(فَما وَهَنُوا) : الجمهور على فتح الهاء.
وقرئ بكسرها ، وهي لغة ؛ والفتح أشهر.
وقرئ بإسكانها على تخفيف المكسور.
و (اسْتَكانُوا) : استفعلوا من الكون ، وهو الذّل.
وحكى عن الفرّاء أنّ أصلها استكنوا ، أشبعت الفتحة فنشأت الألف ؛ وهذا خطأ ؛ لأنّ الكلمة في جميع تصاريفها ثبتت عينها ؛ تقول : استكان يستكين استكانة ، فهو مستكين ومستكان له ، والإشباع لا يكون على هذا الحدّ.
١٤٧ ـ (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) : الجمهور على فتح اللام على أنّ اسم كان ما بعد «إلّا» ، وهو أقوى من أن يجعل خبرا والأول اسما ؛ لوجهين :
أحدهما ـ أنّ (أَنْ قالُوا) : يشبه المضمر في أنه لا يضمر ؛ فهو أعرف.
والثاني ـ أنّ ما بعد إلا مثبت ؛ والمعنى : كان قولهم ربّنا اغفر لنا دأبهم في الدعاء.
ويقرأ برفع الأول على أنه اسم كان ، وما بعد إلّا الخبر.
(فِي أَمْرِنا) : يتعلّق بالمصدر ، وهو إسرافنا.
ويجوز أن يكون حالا منه ؛ أي إسرافا واقعا في أمرنا.
١٥٠ ـ (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) : مبتدأ وخبر ، وأجاز الفرّاء النصب ، وهي قراءة ، والتقدير : بل أطيعوا الله.
١٥١ ـ (الرُّعْبَ) : يقرأ بسكون العين وضمّها ، وهما لغتان.
(بِما أَشْرَكُوا) : الباء تتعلّق بنلقى ، ولا يمنع ذلك لتعلّق «في» به أيضا ؛ لأنّ في ظرف ، والباء بمعنى السبب ، فهما مختلفان.
وما مصدرية. والثانية نكرة موصوفة ، أو بمعنى الذي ؛ وليست مصدرية.
(وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) : أي النار ؛ فالمخصوص بالذم محذوف.
والمثوى : مفعل ، من ثويت ، ولامه ياء.
١٥٢ ـ (صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) : صدق يتعدّى إلى مفعولين في مثل هذا النّحو ، وقد يتعدّى إلى الثاني بحرف الجر ، فيقال : صدقت زيدا في الحديث.
(إِذْ) : ظرف لصدق. ويجوز أن يكون ظرفا للوعد.
(حَتَّى) : يتعلّق بفعل محذوف ، تقديره : دام ذلك إلى وقت فشلكم.
والصحيح أنها لا تتعلّق في مثل هذا بشيء ؛ وأنها ليست حرف جرّ ، بل هي حرف تدخل على الجملة بمعنى الغاية ؛ كما تدخل الفاء والواو على الجمل.