ويجوز أن يكون بمعنى القائم ؛ أي الثابت.
وسراط الثاني بدل من الأول ، وهو بدل الشيء من الشيء ، وهما
بمعنى واحد ، وكلاهما معرفة.
و (الَّذِينَ) : اسم موصول ، وصلته أنعمت ، والعائد عليه الهاء والميم.
والغرض من وضع الذي وصف المعارف بالجمل ؛ لأنّ الجمل تفسّر
بالنكرات ، والنكرة لا توصف بها المعرفة.
والألف واللام في الذي زائدتان وتعريفها بالصلة ، ألا ترى
أن «من» و «ما» معرفتان ، ولا لام فيهما فدلّ أن تعرّفهما بالصلة.
والأصل في الذين اللّذيون ؛ لأن واحده الذي ، إلا أنّ ياء
الجمع حذفت ياء الأصل لئلا يجتمع ساكنان.
والذين بالياء في كل حال ؛ لأنه اسم مبني ، ومن العرب من
يجعله في الرفع بالواو ، وفي الجر والنصب بالياء ، كما جعلوا تثنيته بالألف في
الرفع وبالياء في الجر والنصب.
وفي الذي خمس لغات :
إحداها لذي ـ بلام مفتوحة من غير لام التعريف ، وقد قرئ به
شاذا.
والثانية الذي بسكون الياء.
والثالثة بحذفها وإبقاء كسرة الذال.
والرابعة بحذف الياء وإسكان الذال.
والخامسة بياء مشددة.
٧ ـ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) : يقرأ بالجر ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها ـ أنه بدل من الذين.
والثاني ـ أنّه بدل من الهاء والميم في عليهم.
والثالث ـ أنه صفة للذين.
فإن قلت : الذين معرفة وغير لا يتعرّف بالإضافة ، فلا يصحّ
أن يكون صفة له؟
ففيه جوابان :
أحدهما ـ أنّ غير إذا وقعت بين متضادين ، وكانا معرفتين ،
تعرفت بالإضافة ، كقولك : عجبت من الحركة غير السكون ؛ وكذلك الأمر هنا ؛ لأنّ
المنعم عليه والمغضوب عليه متضادّان.
والجواب الثاني ـ أنّ الذين قريب من النكرة ؛ لأنه لم يقصد
به قصد قوم بأعيانهم ، وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها
بالإضافة ؛ فكلّ واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه.
ويقرأ غير بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه حال من الهاء والميم ، والعامل فيها أنعمت ،
ويضعف أن يكون حالا من الذين ، لأنه مضاف إليه ، والصراط لا يصحّ أن يعمل بنفسه في
الحال ؛ وقد قيل : إنه ينتصب على الحال من الذين ، ويعمل فيها معنى الإضافة.
والوجه الثاني ـ أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من
الهاء والميم.
والثالث ـ أنه ينتصب بإضمار أعنى.
والمغضوب : مفعول ، من غضب عليه ، وهو لازم ، والقائم مقام
الفاعل (عَلَيْهِمْ). والتقدير : غير الفريق المغضوب ، ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور
مقام الفاعل ، ولذلك لم يجمع ، فيقال الفريق المغضوبين عليهم ، لأنّ اسم الفاعل
والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة.
(وَلَا الضَّالِّينَ) : «لا» زائدة عند البصريين للتوكيد ، وعند الكوفيين هي بمعنى غير ، كما قالوا
:
جئت بلا شيء ، فأدخلوا عليها حرف الجر ، فيكون لها حكم غير.
وأجاب البصريون عن هذا بأن «لا» دخلت للمعنى ، فتخطّاها
العامل ، كما يتخطى الألف واللام.
والجمهور على ترك الهمز في الضالين ؛ وقرأ أيوب السّختياني
بهمزة مفتوحة ؛ وهي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدّد نحو :
ضالّ ، ودابة ، وجان.
والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصحّ حركتها ؛ لئلا يجمع
بين ساكنين.
فصل
وأما (آمين) فاسم للفعل ، ومعناها : اللهم استجب ، وهو
مبنيّ لوقوعه موقع المبني ، وحرّك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فتحت أين ؛
والفتح فيها أقوى ؛ لأن قبل الياء كسرة ؛ فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء
بين كسرتين.
وقيل (آمين) : اسم من أسماء الله تعالى ؛ وتقديره : يا آمين
؛ وهذا خطأ لوجهين : أحدهم ـ أنّ أسماء الله لا تعرف إلا تلقّيا ، ولم يرد بذلك
سمع.
والثاني ـ أنه لو كان كذلك لبني على الضم ؛ لأنه منادى
معرفة أو مقصود.
وفيه لغتان : القصر ، وهو الأصل. والمد ، وليس من الأبنية
العربية ؛ بل هو من الأبنية الأعجمية ؛ كهابيل ، وقابيل. والوجه فيه أن يكون أشبع
فتحة الهمزة ، فنشأت الألف ؛ فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية.
فصل
في هاء الضمير نحو : عليهم وعليه ، وفيه وفيهم وإنما
أفردناه لتكرّره في القرآن :
الأصل في هذه الهاء الضم ؛ لأنها تضمّ بعد الفتحة والضمة
والسكون ، نحو : إنّه وله ، وغلامه ، ويسمعه ، ومنه ؛ وإنّما يجوز كسرها بعد الياء
نحو :
عليهم وأيديهم ، وبعد الكسر نحو : به وبداره ؛ وضمّها في
الموضعين جائز ؛ لأنه الأصل ؛ وإنّما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء والكسرة ؛
وبكلّ قد قرئ.
فأما عليهم ففيها عشر لغات ، وكلها قد قرئ به : خمس مع ضمّ
الهاء ، وخمس مع كسرها.
فالتي مع الضم : إسكان الميم ، وضمها من غير إشباع ، وضمها
مع واو ، وكسر الميم من غير ياء ، وكسرها مع الياء.
وأما التي مع كسر الهاء فإسكان الميم ، وكسرها من غير ياء ،
وكسرها مع الياء ، وضمها من غير واو ، وضمها مع الواو.
والأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو ، كما قرأ ابن كثير
، فالميم لمجاوزة الواحد ، والألف دليل التثنية نحو : عليهما ، والواو للجمع نظير
الألف ؛ ويدل على ذلك أن علامة الجمع في المؤنث نون مشدّدة ، نحو : عليهنّ ؛ فكذلك
يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين ، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا ؛ ولا لبس في
ذلك ؛ لأنّ الواحد لا ميم فيه ، والتثنية بعد ميمها ألف ، وإذا حذفت الواو سكنت
الميم ؛ لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع ؛ نحو : ضربهم ويضربهم.
فمن أثبت الواو أو حذفها وسكّن الميم فلمّا ذكرنا.
ومن ضمّ الميم دلّ بذلك على أنّ أصلها الضم ، وجعل الضمة
دليل الواو المحذوفة.
ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرّك الميم بحركة الهاء
المكسورة قبلها ، ثم قلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها.
ومن كسر الميم بعد ضمّة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء
التي قبل الهاء.
ومن ضمّ الهاء قال : إنّ الياء في «عليه» ، حقّها أن تكون
ألفا كما ثبتت الألف مع المظهر ، وليست