٤٥ ـ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) شبّه سبحانه الدنيا في نضرتها بماء نزل على الأرض ، فأخصبت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ولكن ما أسرع أن ذوى وجفّ وصار هشيما تنثره الرياح.
٤٦ ـ (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) والمراد بهذه الزينة كل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذه الأعين من مأكل طيّب ، وملبس جيد ، وامرأة جميلة ، وصحة كاملة ، ومنزلة عالية ، وأمن وأمان ، وما يشبه ذلك من طيّبات الدنيا وملذاتها ، كل ذلك حلال محلل إلّا أن يكون على حساب الآخرين أو محرّما بنص البلاغ المبين ، وخير وأفضل من كل الطيبات في الحياة الدنيا ما أشار إليه سبحانه بقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) ونفهم من هذه الكلمة الرائدة الهادية أن العمل لن يكون من الباقيات الصالحات إلا أن يكون له مثوبة ومكانة رفيعة عند الله ، وأن يحقق أملا من الآمال وأمنية من الأماني النافعة. وتقدم في الآية ١٤ من آل عمران.
٤٧ ـ (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) يشير سبحانه بهذا إلى أهوال يوم القيامة ، وأنه يقتلع الجبال من أماكنها ، ويسيرها في الجو كالسحاب (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) بادية ظاهرة لا حجر وشجر ولا بناء وخباء يحجب الأبصار (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) من الأولين والآخرين لنقاش الحساب والجزاء على الأعمال والأقوال.
٤٨ ـ (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) يقف الخلائق بالكامل بين يدي الخالق بنظام محكم ودقيق بلا فوضى وعرقلة سير (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) بهذا يفتح سبحانه جلسة المحاكمة : قلتم في الحياة الدنيا : من مات فات ، والآن ماذا ترون؟ لقد خلقناكم ورزقناكم وأمتناكم ثم أحييناكم كي نسأل ونحاسب ونثيب أو نعاقب على ما كنتم تعتقدون وتقولون وتفعلون. ثم يبدأ الحساب بوضع (الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا فِيهِ) يعطي سبحانه كل مجرم صحيفة أعماله ، ويقول له : «اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ـ ١٤ الإسراء» فيقرأ ونفسه مفعمة بالخوف.
(وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) يا حسرتنا (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) بالأمس لا كتاب ولا حساب ، على القطع والجزم ، واليوم يا حسرتنا يا ويلتنا على ما فرطنا ... ما كان أغناهم عن الحالين! والعاقل لا يجزم بما هو فوق تصوّره وإدراكه نفيا ولا إثباتا ، بل يضعه في عالم الإمكان حتى يصدقه أو يكذبه الدليل والبرهان ، ولا شيء أكثر من الشواهد على هذه الحقيقة. ومن كان يتصوّر أن الإنسان يصعد إلى القمر ، وهو الآن من الأشياء العادية ، إذن فالكثير مما هو فوق التصور يمكن وجوده ، ولا يعمى عن ذلك إلا جهول متخلف.
___________________________________
الإعراب : وهنالك ظرف مكان للبعيد خبر مقدم ، والولاية مبتدأ مؤخر ، ولله متعلق بمحذوف حالا من الولاية ، والحق صفة لله. وثوابا تمييز ،