هذا في جوهره أن الزمان هو دورة الأرض أو الساعة بل عقربها. ولا شيء وراء ذلك ، هذا ما أراده اينشتين بقوله : «الزمان ـ مكان» وهذا المعنى لا يتناقض مع ظاهر الآية. لأنه تعالى هو الذي خلق الأرض وغيرها من الكواكب ، وأودع فيها النواميس التي تتحكم بحركاتها المنظمة المحكمة بحيث نعرف منها أن هذا متقدم ، وذاك متأخر ، وأن الذي بينهما هو الحاضر ، وهذا هو الزمان الذي فطر الناس على معرفته بلا كسب واستدلال ، والكل من خلقه تعالى المحكم او تدبيره المتقن.
(مِنْها أَرْبَعَةٌ) أشهر (حُرُمٌ) وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي أن تقسيم الأشهر إلى ١٢ شهرا وتحريم الأشهر الأربعة هذه هو الدين المستقيم ، وفي هذا النص دلالة قاطعة على أن علوم الدنيا هي علوم الدين بالذات ما دامت صالحة ونافعة في جهة من الجهات (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) باستحلال القتال واعتداء بعضكم على بعض (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) قاتلوا عدوكم بنفس السلاح الذي يقاتلكم فيه ، ونفس الطريقة التي يحاربكم بها ، فهل استجبنا نحن المسلمين لأمره تعالى ونصحه؟ ولو كنا مسلمين حقا لسمعنا لله وأطعنا ، وكان معنا حافظا ونصيرا ، كما قال سبحانه : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) الذين وحدوا صفوفهم كافة ضد عدوهم المشترك ولم يتفرقوا شيعا ، ويسفكوا دماءهم ، ويهدموا كيانهم وسلطانهم بأيديهم.
٣٧ ـ (إِنَّمَا النَّسِيءُ) كان عرب الجاهلية أصحاب حروب وغارات ، وأيضا كانوا يعتقدون بتحريم القتال في الأشهر الحرم ، فإذا اضطروا إلى الحرب في شهر منها كالمحرم ـ مثلا ـ قاتلوا فيه ، وحرموا بدلا عنه شهر صفر الذي لا يحرم فيه القتال ، وهذا هو المراد بالنسيء هنا ، وهو كما قال سبحانه : (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) بضم تحليل الحرام إلى الشرك أو إلى الحرب العدوانية (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً) حيث يريدون الحرب (وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) حيث لا يريدونها. وبكلمة الدين أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) ليوافقوا عدد الأشهر الأربعة ، كأن المهم هو عد الأشهر لأنفسها.
٣٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) بلغ النبي (ص) أن الروم اعتزموا غزو المدينة المنورة ، فأعلن النفير العام لغزوة تبوك فشق ذلك على فريق من الصحابة لبعد الشقة وكثرة العدو ، وآثروا الإقامة على أرضهم وبيوتهم ، فعاتبهم سبحانه أولا بقوله : «ما لكم ...»؟ وثانيا بقوله : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ ...) هل يليق بإيمانكم أن تؤثروا العاجلة على الآجلة؟
٣٩ ـ (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) تدعون الإيمان ولا تنفرون إلى جهاد الكافرين؟ فإن الله ينزل بكم العذاب تماما كما ينزله بالجاحدين ، وينصر نبيه ودينه بأيدي غيركم ، ولا يضر الله ورسوله تثاقل الخائفين ونفاق المنافقين.
٤٠ ـ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ