وفيه ما مرّ من الفرق بين البابين وان الثاني يكون من دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الأحكام وتجري البراءة فيه فيما يحتمل تعيّنه ومقتضاه الحكم بالتخيير ، وهذا بخلاف الأوّل ، فإن الأدلة الدالة على عدم حجية ما يشك في حجّيته تقتضي عدم حجيته قطعا ، فلا يمكن اجراء أصالة التخيير فيه ، فاعتبار أصالة التعيينيّة فيما نحن فيه ممّا لا ترديد فيه.
وهذا الأصل أي اصالة التعيينية في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج ـ على ما ذكرنا ـ كما يمكن أن يكون مستندا للمفتي في مقام افتائه في مسألة تقليد الأعلم يكون مستندا للعامي أيضا بملاحظة ما يستقل به عقله ، فإنه بعد الالتفات إلى أمرين أحدهما تنجّز الأحكام الشرعية عليه بعلمه الإجمالي بها والثاني انه لا طريق له إلى امتثالها إلّا فتوى المجتهدين بملاحظة فطرته وارتكازه المقتضي للزوم رجوع الجاهل إلى العالم وبمقتضى بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة يستقل عقله بلزوم تقليد الأعلم لدوران الأمر بين التخيير والتعيين في الحجية والعقل يستقل بمقتضى ما ذكرناه بلزوم ترجيح محتمل التعيين.
التحقيق في أدلّة الطرفين
وإذ فرغنا من تأسيس الأصل في المسألة ليكون مرجعا عند عدم تماميّة أدلّة الطرفين فاللازم هو التحقيق في أدلّة المانعين عن تقليد غير الأعلم وأدلّة المجوّزين له ليتّضح ما هو الحق فيها فنقول : استدلّ القائلون بلزوم تقليد الأعلم بوجوه :