هذه الحقوق على سبيل العذاب والجزاء ؛ لأنّ ذلك لا يقتضي وجوبه عليه ؛ والوجه في تكليف الجميع هذه الأمور هو (١) المصلحة واللطف في التكليف.
وأمّا قوله تعالى : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) فمعناه تبطل وتخرج ؛ أي يموتون على الكفر ؛ وليس يجب إذا كان مريداً لأنّ تزهق أنفسهم وهم على هذه الحال أن يكون مريداً للحال نفسها على ما ظنّوه ؛ لأنّ الواحد منّا قد يقول للطبيب : صر إليّ ولازمني وأنا مريض ، ولا يريد المرض.
وقد ذكر وجه آخر على ألاّ يكون قوله : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) حالاً لزهوق أنفسهم ؛ بل يكون كلاماً مستأنفاً ، أي : وهم مع ذلك كلّه كافرون صائرون إلى النار ؛ ويكون الفائدة أنّهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة.
٣٧ ـ تأويل آية
إن سأل سائل عن قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون)(٢).
فقال : ما معنى يحول بين المرء وقلبه؟ وهل يصحّ ما قاله قوم أنّه يحول بين الكافر وبين الإيمان؟ وما معنى قوله : (لِما يُحْيِيكُمْ)؟ وكيف
__________________
(١) م / ر : (هي) ، والصحيح (هو) كما في الأمالي.
(٢) الأنفال : ٢٤.