جعله للمؤمنين من قتالهم وغنيمة أموالهم وسبي أولادهم واسترقاقهم ؛ ففي ذلك إيلام لهم ، واستخفاف بهم ، وإنّما أراد بذلك إعلام نبيّه والمؤمنين أنّه لم يرزق الكفّار الأموال والأولاد ؛ ولم يبقها في أيديهم كرامة لهم ، ورضىً عنهم ؛ بل للمصلحة الداعية إلى ذلك ، وأنّهم مع هذه الحالة معذّبون بهذه النعم من الوجه الّذي ذكرناه ، فلا يُغبَطون ، ويُحسَدون(١) عليها ؛ إذا كانت هذه عاجلهم ، والعقاب الأليم في النار آجلهم ؛ وهذا جواب أبي عليّ الجبائيّ.
فإن قيل : كيف يصحّ هذا التأويل ، مع أنّا نجد كثيراً من الكفّار لا ينالهم أيدي المسلمين ، ولا يقدرون على غنيمة أموالهم ، ونجد أهل الكتاب أيضاً خارجين عن هذه الجملة لمكان الذّمة والعهد؟ قلنا : لا يمتنع أن تختص الآية بالكفّار الذين لا ذمّة لهم ولا عهد.
أقول : الأصل التخصيص وإجراء الكلام على عمومه فلا يصحّ هذا التأويل.
وأمّا الذين لا ينالهم أيدي المسلمين ، وهم من القوّة على حدّ لا يتمّ معه غنيمة أموالهم ؛ فلا يقدح الاعتراض بهم في هذا الجواب ، لأنّهم ممّن أراد الله تعالى أن يسبى ويغنم ، ويجاهد ويغلب ؛ وإن لم يقع ذلك ؛ وليس في ارتفاعه بالتعذّر دلالة على أنّه غير مراد.
__________________
(١) م / ر : فلا يغبطوا ويحسدوا ، والأصل في الأمالي : (فيجب ألاّ يغبطوا ويحسدوا) ، فإذا حذف الناصب فلا داعي لحذف النون.