أوّلها(١) : ما ذكر من أنّ الرجل من العرب كان إذا قصد حاجة فلم تُقضَ له ، ولم ينجح فيها رجع فدخل من مؤخّر البيت ، ولم يدخل من بابه تطيّراً ، فدلّهم تعالى أنّ هذا من فعلهم لا برّ فيه ، وأمرهم من التّقى بما ينفعهم ويقرّبهم إليه ، وقد نهى النبيّ عليهالسلام عن التطيّر.
وثانيها : أنّ العرب إلاّ قريشا كانوا إذا أحرموا في غير الأشهر الحرم لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ، ودخلوها من ظهورها إذا كانوا من أهل الوبر ، وإن كانوا من أهل المدر بقوا في بيوتهم ما يدخلون ويخرجون منه ، ولم يدخلوا ولم يخرجوا من أبواب البيوت ؛ فنهاهم عن ذلك ، وأعلمهم أنّه لا معنى ، وأنّه ليس من البرّ وأنّ البرّ غيره.
وثالثها : أنّ المعنى ليس البرّ بأن تطلبوا الخير من غير أهله ، وتلتمسوه من غير بابه ، (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) ، معناه : واطلبوا الخير من وجهه ، ومن عند أهله. ذكره أبو عبيدة.
ورابعها : جواب أبي عليّ الجبّائيّ ، أن يكون الفائدة فيه ضرب المثل ، وأراد : ليس البرّ أن يأتي الرجل الشيء من خلاف جهته ؛ لأنّ إتيانه من خلاف جهته يخرج الفعل عن حدّ الصواب والبرّ إلى الإثمّ والخطأ ، وبيّن الله أن البرّ التقوى ، وأمر بإتيان الأمور من وجوهها ، وجعل ذكر البيوت وظهورها وأبوابها مثلاً ؛ لأنّ العادل في الأمر عن وجهه كالعادل في البيت عن بابه.
__________________
(١) م : (أنّ).