في تفسير سورة الأعراف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى
لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)﴾
ثمّ لمّا ختم الله سورة الأنعام - المشتملة على ردّ المشركين وإبطال بدعهم - بالوعيد بالعقاب السّريع ووعد المؤمنين بسعة رحمته وغفرانه ، أردفها بسورة الأعراف المتضمّنة للردّ على المشركين ، وتهديدهم بالعقوبات النّازلة في الدّنيا على الامم الّذين كانوا مثلهم في الكفر والطّغيان ومعارضة الأنبياء العظام ، وتوعيدهم بالعقوبات الشّديدة في الآخرة ، ولمدح المؤمنين بالنّصرة والإكرام في الدّنيا ، والفوز بالنّعم الدّائمة في الآخرة.
فافتتحها سبحانه - على دأبه الجاري في الكتاب الكريم - بأسمائه المباركة تيمّنا وتعليما للعباد ، ليتبرّكوا بذكرها عند الشّروع في كلّ أمر ذي بال بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ وقد مرّ تفسيره.
ثم ابتدأ فيها بذكر الحروف المقطّعات بقوله : ﴿المص﴾ توجيها للقلوب إلى ما بعدها من المطالب المهمّة ، وإرمازا من إسمائه الحسنى ، وإيماء إلى العلوم الكثيرة التي يستنبطها الرّاسخون في العلم منها.
عن الصادق عليهالسلام ، في حديث قال : « و﴿المص﴾ أنا الله المقتدر الصّادق » (١) .
وعن العيّاشي عنه عليهالسلام أنّه أتاه رجل من بني اميّة ، وكان زنديقا ، فقال له : قول الله عزوجل في كتابه : ﴿المص﴾ أي شيء أراد بهذا ؟ وأيّ شيء فيه من الحلال والحرام ؟ وأي شيء فيه ممّا ينتفع به النّاس ؟ قال : فاغتاظ عليهالسلام من ذلك فقال : « أمسك ويحك ، الألف : واحد ، واللام : ثلاثون ، والميم : أربعون ، والصّاد : تسعون ، كم معك » ؟ فقال الرجل : مائة وواحد وستّون ، فقال : « إذا انقضت سنة إحدى وستين ومائة فينقضي ملك أصحابك » ، قال : فنظر ، فلمّا انقضت سنة إحدى وستّين ومائة يوم
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢٢ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ١٧٩.