في تفسير سورة النساء
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها
وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ
كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)﴾
في وجه نظم سورة النساء
ثمّ اردفت السّورتان - المتضمّنتان لإثبات التّوحيد ، والرّسالة ، ومحاجّة اليهود والنّصارى ، وبيان مهمّات حقوق الله ، كوجوب الصّلاة ، والصّوم ، والزّكاة ، والحجّ ، والجهاد ، وأمثال ذلك - بسورة النّساء المشتملة لبيان مهمّات حقوق النّاس ، كاليتامى والأزواج والسّفهاء والورّاث وغير ذلك ، فافتتحها بالبسملة ليتعلّم العباد التبرّك بها عند الشّروع في كلّ أمر ذي بال.
ثمّ لمّا ختم سورة آل عمران بآية فيها الأمر بالتّقوى معلّلا برجاء الفلاح في المعاد - ولذا خاطب المؤمنين بالمبدأ والمعاد لتوقّف هذا الرّجاء على الإيمان بهما - أكّد ذلك الأمر بالتّقوى ثانيا معلّلا بمعرفة المبدأ ، والخوف من سعة قدرة الله ، ونفوذ إرادته ، ولذا خاطب جميع النّاس بقوله : ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ الظّاهر في إرادة جميع الموجودين منهم في زمان الخطاب ، وإن قال ابن عبّاس : إنّه خطاب لأهل مكّة (١) . وعليه يشترك معهم غيرهم ، وإن كانوا معدومين في الحكم الذي ذكره تعالى بقوله : ﴿اتَّقُوا﴾ وخافوا ﴿رَبَّكُمُ﴾ ومكمّل وجودكم ، في مخالفة أحكامه التي سيبيّنها لكم وغيرها.
وفي توصيف ذاته المقدّسة بالرّبوبيّة تنبيه على كمال رأفته وقدرته ، اللّتين هما علّتان تامّتان للقيام إلى طاعته والاجتناب عن معصيته.
في مبدأ خلق حوّاء
ثمّ بالغ في تعريف رأفته وقدرته بتوصيف ذاته المقدّسة بقوله : ﴿الَّذِي﴾ بجوده وحكمته ﴿خَلَقَكُمْ﴾ وقدّر وجودكم الذي هو أصل النّعم وأعاليها ، الموجب لغاية
__________________
(١) تفسير الرازي ٩ : ١٥٧.