فضلا عن اليقين بها ؛ لأنّ احتمال الهلاك الدنيوي إنّما ينشأ عن أنّ احتمال الحرمة مستلزم لاحتمال المفسدة الدنيوية في الفعل المحتمل الحرمة ، وقد علمنا بأنّ العقل مستقلّ بعدم المفسدة وعدم الحرمة ، فيقطع حينئذ بعدم الهلكة.
وإن أريد بها التهلكة الأخروية ـ أعني العقاب ـ فلا يفيد أيضا في مقابل العقل ؛ لأنّه يرفض أن يكون في ارتكاب ما يشكّ في حرمته وترك ما يشكّ في وجوبه مفسدة أخروية ، والهلاك الأخروي يعني العقاب من الشارع إنّما يتصوّر إذا لم يجوز الارتكاب فيما نشكّ في حرمته ولم يجوز ترك ما نشكّ في وجوبه ، وقد علمت من أدلّة البراءة أنّ الشارع قد أباح كلّ شيء ما لم نعلم أنّه حرام ، كما أنّه جوّز ترك كلّ شيء لم نعلم أنّه واجب.
٢ ـ العقل ، وتقريره : أنّ كلّ مسلم يعلم إجمالا من حين بلوغه بأنّ عليه تكاليف الزامية ، وهذا العلم الإجمالي يقضي بوجوب القيام بتلك التكاليف المعلومة وتحصيل البراءة من تلك التكاليف الشرعية ، ولا يكون ذلك إلّا بالاحتياط في الموارد المشتبهة ، مثل ما يجب علينا الاحتياط فيما إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين لا على التعيين ويجب علينا تركهما معا ، وكذلك في المقام بعد العلم بوجود محرّمات إلهية كثيرة ضمن ما بأيدينا من الموارد المشتبهة ، فاللازم ترك جميع المشتبهات ، فعليه لا بدّ من ترك التدخين مثلا لأنّه مشتبه الحكم.
والجواب : لا يجب اتّباع هذا العلم عند الجميع حتى عند الأخباري ، فإنّه لو وجب الاحتياط بمقتضى هذا العلم لكان اللازم الاحتياط في كلّ مورد حتى في الشبهات الموضوعية أيضا ، مع أنّ الأخباري يعتقد بالبراءة مثل الأصولي في الشبهات الموضوعية ، وسنشير إليه في السطور القادمة بعد