(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) أي إن كان الذي جاء بالخبر فاسقا ، فهذه جملة شرط. وأمّا الجزاء فقوله تعالى : (فَتَبَيَّنُوا) أي فتفحّصوا حتى يحصل لكم العلم بحال المخبر أنّه صادق أو كاذب.
ولهذا الشرط عنصران مهمان ، أحدهما : المجيء بالخبر ، والآخر : الفسق.
ومن المعلوم أنّ العنصر الأوّل ـ وهو المجيء بالخبر ـ موضوع للحكم المذكور في الجزاء ، فلو كان هذا العنصر بمفرده شرطا لما تمّ الاستدلال بالآية ؛ لأنّه ـ على ما ستعرف ـ مبني على مفهوم الشرط ، وقد علمت في بحث المفاهيم أنّه لا مفهوم للشرط الذي سبق لبيان موضوع الحكم ، فلو كان هذا العنصر الذي هو موضوع الحكم شرطا كان مسوقا لبيان موضوع الحكم.
ولكن قد عرفت أنّه وحده ليس شرطا بل هو مع كون المخبر فاسقا شرط ، ومعلوم أنّ فسق المخبر ليس موضوعا للحكم بل هو شرط علّق عليه الحكم المذكور في الجزاء. فعليه معنى الشرط أنّه إن كان المخبر الذي أتى بالخبر فاسقا فحينئذ يجب الفحص عن حال المخبر أنّه صادق أو كاذب. ومن الواضح أنّه لا يجب الفحص مطلقا بل إنّما يجب لأجل العمل بالخبر.
فعليه مفاد الآية الكريمة ـ والله العالم بالصواب ـ : إن كان المخبر فاسقا وأردتم العمل بالخبر فيجب عليكم الفحص والتثبّت عن حال المخبر ، فعليه وجوب الفحص إنّما هو على خبر الفاسق لفسقه خوفا من الوقوع في خلاف الواقع إن أردنا العمل به ، فلو كان المخبر عادلا ولم يكن فاسقا ـ أي انتقض الشرط الذي علّق عليه الحكم ـ فحينئذ لا محالة ينتفي الحكم المذكور في الجزاء ، أعني وجوب الفحص.