حنّة بنت فاقوذ ﴿امْرَأَتُ عِمْرانَ﴾ ابن ماثان ، امّ مريم.
في قضية ولادة مريم وعيسى
عن عكرمة : أنّها كانت عاقرا لا تلد ، وكانت تغبط النّساء بالأولاد (١) .
وعن محمّد بن إسحاق : أنّها ما كان يحصل لها ولد حتّى شاخت ، وكانت يوما في ظلّ شجرة فرأت طائرا يطعم فرخا له ، فتحرّكت نفسها للولد ، فدعت ربّها أن يهب لها ولدا ، فحملت بمريم ، وهلك عمران ، فلمّا عرفت حملها جعلته لله بقولها : ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي﴾ من الولد ﴿مُحَرَّراً﴾ وعاهدتك أن أجعله خادما للمسجد ، أو لمن يدرس الكتاب ، أو مخلصا للعبادة ، أو عتيقا من أمر الدّنيا لطاعة الله.
قيل : كان الأمر في دين بني إسرائيل أنّ الولد إذا صار بحيث يمكن استخدامه ، كان يجب عليه خدمة الأبوين ، فكانوا بالنّذر يتركون ذلك النّوع من الانتفاع ، ويجعلونه محرّرا لخدمة المسجد ، وطاعة الله. (٢)
وقيل : كان المحرّر يجعل في الكنيسة ، يقوم بخدمتها حتّى يبلغ الحلم ، ثمّ يخيّر بين الذّهاب والمقام ، فإن أبى المقام وأراد أن يذهب ذهب ، وإن اختار المقام فليس له بعد ذلك خيار. ولم يكن نبيّ إلّا ومن نسله محرّر في بيت المقدس ، ولم يكن التّحرير جائزا إلّا في الغلمان. (٣)
قيل : إنّ تحرير حنّة كان بإلهام الله (٤) ثمّ أنّها لإظهار أنّ هذا النّذر كان لطلب مرضاة الله وتقرّبا إليه ، قالت : ﴿فَتَقَبَّلْ﴾ هذا التّحرير ، وتلقّه ﴿مِنِّي﴾ بالرّضا ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ﴾ لدعائي ﴿الْعَلِيمُ﴾ بخلوص نيّتي وحقيقة ضراعتي ، وفي تخصيص الوصفين به تعالى إظهار لقوّة يقينها ، وإشعار باختصاص دعائها به تعالى ، وانقطاع رجائها من غيره.
ثمّ أنّه كان في ظنّها أنّ النّسمة التي في بطنها غلام ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْها﴾ ورأت أنّها انثى ، ولم تكن الجارية صالحة للتّحرير ؛ لخدمة المسجد ، وملازمته ، لما يصيبها من الحيض والأذى ﴿قالَتْ﴾ تحزّنا وتحسّرا على خيبة رجائها ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها﴾ حال كونها ﴿أُنْثى﴾
ثمّ لمّا كانت جاهلة بقدرها وشأنها ، قال سبحانه تعظيما لها وإظهارا لجلالتها : ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ﴾ من غيره ﴿بِما وَضَعَتْ﴾ حنّة ، وبما علق بها من عظائم الامور.
وقرئ ( وضعت ) على الخطاب ، والمعنى أنّك لا تعلمين قدر هذه الموهوبة ، ومالها من علوّ الشأن
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ٢٥.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٢٥.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٢٥.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ٢٥.