الكاتب والشّاهد وجوبيّا مولويّا ، كما لا يخفى.
ثمّ وجّه سبحانه الخطاب إلى المديونين ونهاهم عن التّواني في الكتابة بقوله : ﴿وَلا تَسْئَمُوا﴾ ولا تملّوا لكثرة مدايناتكم ، أو لقلّة هذا الدّين ، من ﴿أَنْ تَكْتُبُوهُ﴾ سواء كان ﴿صَغِيراً﴾ وقليلا كدينار أو درهم ﴿أَوْ كَبِيراً﴾ وكثيرا كمائة أو ألف ، حال كونه مستقرّا في الذّمّة ﴿إِلى أَجَلِهِ﴾ المعيّن ، ووقته المعلوم.
قال بعض : الملالة والكسالة من الشّيطان.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « لا يقول المؤمن كسلت » (١) .
ثمّ بيّن سبحانه فوائد الكتب بقوله : ﴿ذلِكُمْ﴾ الكتب ﴿أَقْسَطُ﴾ وأعدل ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي حكمه ، حيث إنّ فيه حفظ الحقّ ﴿وَأَقْوَمُ﴾ وأثبت ﴿لِلشَّهادَةِ﴾ وأعون على إقامتها ﴿وَأَدْنى﴾ وأقرب إلى أن تكونوا موقنين به لا ﴿تَرْتابُوا﴾ ولا تشكّوا فيه من حيث الجنس والمقدار والوصف والأجل ، وسائر ما اعتبر فيه.
فتحصّل من الآية أنّ للكتابة ثلاث فوائد :
الاولى : كونها أقسط باعتبار أنّ المتداينين إذا وجدوا كتابا ، فلا بدّ لهم من العمل ، فلا يقع التّعدّي من أحدهما على الآخر.
والثانية : أنّ الشّاهدين إذا نسوا القضيّة ، تكون الكتابة سببا لحفظها وتذكّرها ، ثمّ أنّه قد يكون المتداينان حاضرين لأداء الحقّ ، ولكن قد يكون في قلبهما ريب ؛ إمّا في أصله ، أو في مقداره ، أو أجله.
والفائدة الثالثة : أن تكون الكتابة موجبة لزوال ريبهما.
قيل : إنّه تعالى بالغ في هذه الآية المباركة في التّأكيد ، والبسط الشّديد في الأمر بكتابة الدّين والإشهاد عليه ، بعد المنع عن تحصيل المال بالرّبا ، مع بنائه تعالى في بيان الأحكام في الكتاب المجيد على الاختصار ، نظرا إلى حفظ المال الحلال عن الضّياع والبوار ، حتى يتمكّن المؤمن من الإنفاق في سبيل الله ، والإعراض عن مساخطته من طلب المال بالرّبا ، وسائر الوجوه المحرّمة.
ثمّ بيّن سبحانه عدم الرّجحان للكتابة في المعاملة النّقديّة بقوله : ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ﴾ المعاملة ﴿تِجارَةً
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٧١.