بسبب ﴿أَنْ يَخافا﴾ الزّوجان ﴿أَلَّا يُقِيما﴾ ولا يرعيا ﴿حُدُودَ اللهِ﴾ وحقوقه التي جعلها فيما بينهما من وظائف الزّوجيّة ، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة.
في طلاق الخلع وجملة من أحكامه
﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ أيّها الحكّام من الزّوجين ﴿أَلَّا يُقِيما﴾ ولا يرعيا ﴿حُدُودَ اللهِ﴾ من حقوق الزوجيّة وأحكامها الواجبة ، بأن أظهرت الزّوجة البذاء وسوء الخلق والتعدّي في القول ، بأن تقول له : لا أبرّ لك قسما ، ولا اطيع لك أمرا ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه وغير ذلك ، فيخاف من الزّوج التّعدّي عليها وإيذاؤها وحصل من الزّوجة أيضا خوف التعدّي بظهور الكراهة منها لزوجها وهو أمارة قويّة موجبة لخوف الفتنة ، فإذا كان ذلك ﴿فَلا جُناحَ﴾ ولا بأس ﴿عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ﴾ الزّوجة ﴿بِهِ﴾ من نفسها ليطلّقها زوجها ، وفي أخذ الزّوج منها الفداء بعوض طلاقها [ سواء أ ] كان الفداء مساويا للصّداق أو أزيد منه أو أنقص.
روي أنّ هذه الآية نزلت في جميلة بنت عبد الله بن ابيّ ، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شمّاس ، وكانت تبغضه أشد البغض ، وكان يحبّها أشدّ الحبّ ، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالت : فرّق بيني وبينه فإنّي أبغضه ، ولقد رفعت طرف الخباء فرأيته يجيء في أقوام ، فكان أقصرهم قامة وأقبحهم وجها ، وأشدّهم سوادا ، وإنّي أكره الكفر بعد الإسلام.
فقال ثابت : يا رسول الله ، مرها فلتردّ عليّ الحديقة التي أعطيتها. فقال لها : « ما تقولين ؟ » قالت ، نعم وأزيده. فقال صلىاللهعليهوآله : « لا ، حديقته فقط » . فقال : لثابت : « خذ منها ما أعطيتها وخلّ سبيلها » ففعل ، وكان ذلك أوّل خلع في الإسلام (١) .
وفي رواية : أنّ المرأة كانت حفصة بنت سهل الأنصاريّة (٢) .
وعن ( العياشي ) عن الصادق عليهالسلام في المختلعة ، قال : « لا يحلّ خلعها حتّى تقول : والله لا أبرّ لك قسما ، ولا اطيع لك أمرا ، ولاوطئنّ فراشك ، ولأدخلنّ عليك بغير إذنك ، فإذا هي قالت ذلك حلّ خلعها وحل [ له ] ما أخذ منها من مهرها وما زاد ، وهو قوله تعالى : ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ فإذا فعلت (٣) ذلك فقد بانت منه بتطليقة ، وهي أملك بنفسها ، إن شاءت نكحته ، وإن شاءت فلا ، فإن نكحته فهي عنده على ثنتين » (٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ١٠٠.
(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٠٠.
(٣) في المصدر : وإذا فعل.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٣٢ / ٤٧٠.