حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾(١) ولا مجال لاحتمال كذب نسبة هذه الأقوال إليهم ، لاشتهار هذه الآيات بين جميع الطوائف والطبقات ، فلو كانت كذبا كفاه في إبطال دعوته ووضوح فضيحته وانفصام عروته.
ثمّ اعلم أنّ وجه إعجاز القرآن لعامّة النّاس هو فصاحته وبلاغته وحسن اسلوبه ونظمه ، وهذا الوجه يعلم من وجوه :
منها : نهاية فصاحة كلّ آية وسورة في نفسها ، مع قطع النّظر عن غيرها.
ومنها : بالنّظر إلى سائر الآيات والسّور ، وهذا أيضا من وجوه :
منها : أنّا قد استقرأنا كلمات فصحاء العرب فرأيناهم مختلفين في صناعة الفصاحة ، وأنّ كلّ واحد منهم له مهارة في فنّ الكلام دون فنّ آخر ، منهم فصيح في الحماسة ، ومنهم فصيح في المدح ، ومنهم فصيح في الهجاء ، ومنهم فصيح في التّطريب والتعشّق ، إلى غير ذلك ، والقرآن العظيم في غاية الفصاحة في جميع الفنون من الكلام.
ومنها : أنّ مضامين القرآن كلّها في المعارف ، وعلم الأخلاق ، والحثّ على الزّهد في الدنيا ، والترغيب في الآخرة ، وبيان أحكام العبادات والمعاملات والسياسات ، ومن الواضح أنّ في هذه الامور ليس مجال الفصاحة وميدان البلاغة ، والقرآن العظيم في أعلى درجتها في جميعها.
ومنها : أنّ حسن الكلام وملاحة البيان موقوف على الكذب والاغراقات والمبالغات ، والقرآن العظيم مع عرائه وتنزّهه عن جميعها في غاية الحسن والملاحة.
ومنها : أنّه ما رئي فصيح من الفصحاء أتى بكلام طويل إلّا كان بعض قضاياه أو بعض كلماته خارجا عن حدّ الفصاحة ، أو كان بعضها أفصح من بعض ، والقرآن العظيم مع أنّه كتاب مطوّل لم تتنزّل آية منه من أعلى مرتبة الفصاحة فضلا عن خروجها عن حدّها ، وإلى هذا أشار سبحانه وتعالى : ﴿وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾(٢) .
وأمّا وجه إعجازه من غير جهة الفصاحة والبلاغة ، فامور :
منها : أنّه لا شبهة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان اميّا ، لم يتعلّم من أحد ، ولم يقرأ كتابا ، وهذا الكتاب العزيز الذي جاء به جامع لجميع العلوم ، ما من علم إلّا وفيه أصله بالمعنى الذي مرّ في الطرفة الثالثة ، مثل علم
__________________
(١) الأنفال : ٨ / ٣٢.
(٢) النساء : ٤ / ٨٢.