وعن بعض العلماء : في المقام كلام ملخّصه : أنّ للاختلاف أسباب.
أحدها : وقوع المخبر به على أحوال (١) مختلفة وتطويرات شتّى ، كقوله في خلق آدم مرّة ﴿مِنْ تُرابٍ﴾(٢) ومرّة ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾(٣) ومرّة ﴿مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾(٤) ومرّة ﴿مِنْ صَلْصالٍ﴾(٥) فهذه ألفاظ مختلفة ، ومعانيها في أحوال مختلفة ، إلّا أنّ كلّها يرجع إلى أصل واحد وهو التراب.
وكقوله تعالى : ﴿فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ*﴾(٦) في موضع و﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ*﴾(٧) في موضع ، والجانّ : الصّغير من الحيّات ، والثعبان : الكبير منها ، وذلك الاختلاف بلحاظ أنّ خلقها خلق الثعبان العظيم ، وحركتها وخفّتها كحركة (٨) الجّانّ وخفّته.
وثانيها : اختلاف الموضع (٩) ، كقوله : ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ﴾(١٠) وقوله : ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾(١١) مع قوله : ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ﴾(١٢) . وذلك بلحاظ اختلاف الأماكن ، لأنّ في القيامة مواقف كثيرة ، ففي موضع يسئلون ، وفي آخر لا يسئلون.
وقيل : إنّ السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ ، والمنفيّ سؤال المعذرة وبيان الحجّة.
وقيل : إنّ السؤال الأوّل عن التوحيد وتصديق الرّسل. والسّؤال الثاني عمّا يستلزمه الإقرار بالنبوّات من شرائع الدّين وفروعه.
وكقوله تعالى : ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً﴾(١٣) مع قوله : ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾(١٤) فمن الاولى يفهم إمكان العدل ، وممن الثانية عدم إمكانه ، فالاولى في توفية الحقوق ، والثانية في الميل القلبيّ ، وليس في قدرة الإنسان.
أقول : وقريب من هذا الوجه مرويّ عن الصادق عليهالسلام (١٥) .
قال : وكقوله : ﴿إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾(١٦) مع قوله : ﴿أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها﴾(١٧) فالاولى في الأمر التشريعيّ ، والثانية في الأمر التكّوينيّ ، بمعنى القضاء والتقدير.
__________________
(١) في الاتقان : أنواع. (٢) آل عمران : ٣ / ٥٩.
(٣) الحجر : ١٥ / ٢٨. (٤) الصافات : ٣٧ / ١١.
(٥) الرحمن : ٥٥ / ١٤.
(٦) الأعراف : ٧ / ١٠٧ ، الشعراء : ٢٦ / ٣٢.
(٧) النمل : ٢٧ / ١٠ ، القصص : ٢٨ / ٣١.
(٨) في الإتقان : كاهتزاز. (٩) في الاتقان : الموضوع.
(١٠) الصافات : ٣٧ / ٢٤.
(١١) الأعراف : ٧ / ٦. (١٢) سورة الرحمن : ٥٥ / ٣٩.
(١٣) النساء : ٤ / ٣. (١٤) النساء : ٤ / ١٢٩.
(١٥) راجع : تفسير القمي ١ : ١٥٥ ، تفسير العياشي ١ : ٤٤٨ / ١١٣٠.
(١٦) الأعراف : ٧ / ٢٨.
(١٧) الإسراء : ١٧ / ١٦.