وملخصها أن
السنّة قالوا في كتب علم الكلام وأصول الفقه : لا تلازم إطلاقا بين الإرادة والطلب
المدلول عليه بالأمر والنهي ، وان الله سبحانه كثيرا ما يأمر عبده بما يكرهه منه
ولا يريده ، وينهاه عما يحبه منه ويريده. واستدلوا على ذلك بأن كل ما وقع ويقع في
الوجود من خير وشر فهو مراد لله ، وكل ما لم ولن يقع فهو غير مراد له خيرا كان أم
شرا ، لأنه تعالى ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن.
والثابت بالقطع
والاتفاق أن الله طلب الإيمان من الكافر الذي عصى وأصر على الكفر ، ولو كانت
الإرادة عين الطلب أو لا تنفصل عنه بحال لكان الله مريدا للإيمان الذي طلبه من
العاصي ، وهذا محال لأن معناه ان الله أراد شيئا من عبده ولكن العبد غلب الخالق
على ما أراد .. مضافا الى أن الله سبحانه يعلم مقدما أن العاصي المتمرد لن يؤمن
بحال ومع ذلك طلب منه الإيمان وأمره به ، وبديهي أن الحكيم يستحيل في حقه أن يريد
شيئا وهو يعلم سلفا بأنه ممتنع الوجود ومستحيل الوقوع. وإذا بطل هذا تعين أنه لا
تلازم بين الطلب والإرادة. وأنه تعالى يطلب الإيمان من المتمرد ولا يريده بدليل
عدم تحققه ، وانه سبحانه ينهاه عن الكفر وهو يريده منه بدليل تحققه. (انظر من كتب
الأصول للسنّة كتاب جمع الجوامع وشرحه مبحث الأمر ، ومن كتب علم الكلام الجزء
الثامن من المواقف وشرحه المقصد الرابع في ان الله مريد لجميع الكائنات ، غير مريد
لما لا يكون).
وقال الشيعة
والمعتزلة : ان الارادة لا تنفصل عن الطلب بحال ، والدليل على ذلك واضح وبسيط ،
وهو أن الناس ، كل الناس ، يفهمون بالفطرة أن العاقل إذا أراد شيئا من غيره طلبه
منه وأمره به ، وإذا كره شيئا منه نهاه عنه وحذره منه. ويستحيل في حقه تعالى أن
يطلب الايمان من المعاند ولا يريده ، وينهاه عن الكفر ويريده ، يستحيل ذلك لأمرين
:
١ ـ ان من طلب
شيئا لا يريده ، أو نهى عن شيء يريده فهو أحمق وسفيه في نظر العقلاء. تعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا. واذا استحال في حق الحكيم أن يريد ما يعلم مقدما انه محال
وممتنع ـ كما يقول السنّة ـ فأيضا يستحيل في حقه أن يطلبه ويأمر به.