الاستصحاب ـ أي جديد مفيد لا نجده في الرواية التي تحدثنا عنها. ومع هذا نذكر طرفا من تلك الروايات لليمن والبركة على حد ما كان يقول استاذنا في حلقة الدرس ، عليه رحمة الله ورضوانه. جاء في رسائل الأنصاري ما نصه بالحرف الواحد :
«قال الإمام (ع) في الموثقة : إذا شككت فابن على اليقين .. وعن الخصال قال علي أمير المؤمنين (ع) : من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ، فإن الشك لا ينقض اليقين ، ولا يدفع بالشك. وعدّ المجلسي هذه الرواية في سلك الأخبار التي يستفاد منها قاعدة كلية .. وأيضا عن المعصوم : إذا استيقنت انك توضأت فإياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن انك أحدثت .. وفي صحيحة ثالثة لزرارة : لا ينقض اليقين بالشك ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ، ويتم على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات».
أبعد هذا الوضوح في البيان والتوكيد والتكرار يتشكك متشكك ويتردد متردد في صحة الاستصحاب وحجته في الوقت الذي يغتسل من الجنابة أو يتيمّم مثلا لقوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ٤٣ النساء». وأيهما أوضح وأظهر هذه الآية في الغسل أو التيمم ، أو روايات الاستصحاب في الأخذ باليقين وتوكيدها وتكرارها؟. وأين الذوق الفني أو دليل الشم على حد ما نقل عن بعض الفقهاء؟. وقد يدل الإغراق في الخيال على الغور والمقدرة ، ولكن لا تثبت به الأوضاع اللغوية ومعاني الألفاظ.
إن أية محاولة لفهم النصوص الشرعية والأدبية من خلال التصورات والأقيسة الأرسطية فهي مرفوضة من الأساس ، ان فهم المعاني من ألفاظها لا يخضع إلا لتبادر العرف والناس العاديين ، وإذن علام تراكم الاحتمالات والولوع بالمناقشات حول دلالة الألفاظ؟. ورحم الله صاحب القوانين حيث جعل من شروط المجتهد «أن لا يكون معوج السليقة ولا جربزيا».
وبعد ، فإن الاستصحاب من واقع الحياة ، وصميم الدين ، يستدل به ولا يستدل عليه بحكم العقل والعقلاء والوحي والانبياء وكل العلماء غير «الجربزيين». ولا شرط إلا أن يكون المستصحب أهلا للاستمرار والبقاء إلى حين عملية الاستصحاب.